Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 76-79)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم نفى إيصال النفع والضر عن قدرة عيسى عليه السلام مع تمكينه من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى فقال تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } [ المائدة : 76 ] ؛ لكي تهتدوا إلى التوحيد ، ولتعلموا أن ما ظهر عن عيسى عليه السلام من الإبراء والإحياء كان بإذن الله وقدرته { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [ المائدة : 76 ] ، بما تحدث به أنفسهم عند تعليق القلوب بدون الرب في استدفاع الشر واستجلاب الخير { ٱلْعَلِيمُ } [ المائدة : 76 ] ، بمن يدفع عنهم الشر ويصيبهم الخير ، فإذا الضار والنافع وهو الذي يخاف ويرجى في الضراء والسراء لا غير . ثم أخبر عن الغلو من السلو بقوله تعالى : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ المائدة : 77 ] ، إشارة أن الخطاب في قوله تعالى : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } [ المائدة : 77 ] ، مع المقلدين من أهل الكتاب ؛ لأنه قال { فِي دِينِكُمْ } [ المائدة : 77 ] أي : في مذهبكم الذي اتخذتم بالتقليد من أهل الأهواء والبدع ، ما قال في الدين مطلقاً ؛ لأن الغلو في دين الحق حق ، ولهذا قال تعالى : { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } [ المائدة : 77 ] ؛ أي : فيما غير الحق من دينكم ؛ يعني : الغلو بما هو الحق من دينكم حق ، ثم أكد ما بقوله تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } [ المائدة : 77 ] ؛ إذ غلب عليهم الهوى فاتخذوه إلهاً يعبدونه على اتباعه ، وزين الشيطان في أعينهم الشبه المعقولة والمشوبة بالهوى فضلوا بها من قبل { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ } [ المائدة : 77 ] ، من جهال المبتدعة ومقلديهم في اتباع أهوائهم وشبههم ، وضلوا يعني : كلا الفريقين التابع والمتبوع { عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 77 ] ؛ يعني : استقامة طريق الوصول إلى الحق ، فإن الهداية الحقيقية هي الانقطاع عن الخلق والتولي عن طريقه { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } [ المائدة : 78 ] ، فيه إشارة إلى سر الخلافة ، وهو أن الإنسان الكامل الذي يصلح للخلافة الحق هو مظهر صفات لطفه للحق وقهره ، فقبولهم قبول الحق ، وردهم رد الحق ، ولعنهم لعن الحق ، وصلاتهم صلاة الحق ، فمن لعنوه فقد لعنه الحق ، ومن صلوا عليه فقد صلى عليه الحق ، لقوله تعالى لنبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } [ التوبة : 103 ] ، ثم قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } [ الأحزاب : 43 ] ، فمظهر اللعن كان لسان داود وعيسى ، وكانت اللعنة من الله حقيقة ، كقوله : { لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ } [ النساء : 47 ] ، وهم الذين لعنهم داود عليه السلام صرح هاهنا أن اللعن كان منه تعالى : وإن كان لسان داود { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [ المائدة : 78 ] ؛ أي : موجب اللعن كان مخالفة أمر الحق والاعتداء وهو الإصرار على العصيان وترك التوبة يدل عليه بالعدة { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [ المائدة : 79 ] ؛ يعني : كانوا يصرون على فعل المنكر ، وإنما سمي العصيان منكراً ؛ لأنه يوجب المنكرة كما سمي الطاعة معروفاً ؛ لأنها توجب المعرفة { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المائدة : 79 ] ، الإصرار على الفعل المنكر لأن الإقدام على الفعل المنكر معصية والإصرار على المعصية كفر .