Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 84-88)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولهذا اختلفت أحوالهم هاهنا { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } [ المائدة : 84 ] ، بعد شهود الشواهد { وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ } [ المائدة : 84 ] ، من لوامح المعرفة وطوالع المحبة { وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ } [ المائدة : 84 ] ؛ يعني : فلما شهدنا الشواهد اشتقنا إلى المشاهدة وطمعنا في الدخول في زمرة الواصلين وجملة الصالحين للوصال والوصول { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } [ المائدة : 85 ] ، فعل إثابة الجنان بما قالوا عن شهود ، ومفهوم الخطاب مبني بأنهم موحدون بما نالوا وبما سألوا وقالوا : { وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ المائدة : 85 ] ، الذين يعبدون الله على الشواهد والشهود فإن " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ المائدة : 86 ] ، ستروا بحجب أوصاف البهيمية والسبعية والشيطانية ؛ فأعمهم الله وأعمى أبصارهم اسمعوا فلم يسمعوا شاهدوا فلم يبصروا { وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ } [ المائدة : 86 ] ؛ إذ لم يبصروا { أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ } [ المائدة : 86 ] ؛ أي : هم الذين خُلقوا للنار ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] . ثم أخبر عمن سمعوا فاستمعوا بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة : 87 ] ، إشارة أن الله تعالى خاطب من رزقهم الإيمان الحقيقي وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، أي : لا تحرموا على أنفسكم بشغل الاستعداد بتمتعات الحيوانية والانتفاعات الجسمانية أي : طيبات ما أحل الله لكم خاصة دون سائر المخلوقات من الحيوانات والمنافقين والكفار بل فضلاً على الملائكة المقربين ، وهي المواهب الربانية عند صفاء الروحانية من المكاشفات وحمل الأمانة التي اختص بحملها نفس الإنسانية ، ولهذا قال تعالى : { مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، أي : عدها لكم وأعدكم لها { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } [ المائدة : 87 ] ، ولا تجاوزا عن حد العبودية بدعوة النبوة والحلول والاتحاد ، وهما كالنصارى والحيلولية وبعض الشطاح تعالى الله عما يقول الظالمون ويتوهمه الجاهلون علواً كبيراً { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ المائدة : 87 ] ؛ يعني : من تجاوز حده إلى ما ليس هو حده { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } [ المائدة : 88 ] ؛ أي : جدوا واجتهدوا في طلب ما رزقكم وخصكم به من تجلي جماله والجلال ما يكون بريئاً من وصمة الحدوث من مواهب الحق ، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب فالطيب الذي يقبله الحق من أن يكون متبرئاً عن المحدثات ؛ ليكون محلاً لقبول ما هو بريء من وصمة الحدوث فافهم جيداً ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } [ المائدة : 88 ] ؛ أي : اتقوا من غير الله بالله لتكونوا واصلين به بعدما أنتم به مؤمنون .