Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 55-60)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَذَكِّرْ } [ الذاريات : 55 ] ، فإن حرفتك أن تكون مذكراً ، كما قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } [ الغاشية : 21 ] ، { فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] ، الذين منَّ الله عليهم أن هداهم للإيمان ، فذكر العاصين منهم عقوبتي ؛ ليرجعوا عن مخالفة أمري ، وذكر المطيعين جزيل نوالي ؛ ليزدادوا طاعةً وعبادةً لي ، وذكر المحبين ما شاهدوا من أنوار جمالي وجلالي في الغيب وغيب الغيب ؛ ليزيدوا في بذل الوجود وطلب المفقود . { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ؛ لأن ذرة معرفتي مودعة في صدق عبوديتي ، وإن معرفتي تنقسم قسمين : معرفة صفات جمالي ومعرفة صفات جلالي ، ولكل واحدة منهما مظهر ، والعبودية مشتملة على المظهرين بالانقياد لها والتمرد عنها ، فمن انقاد لها بالتسليم والرضاء كما أمر به ، فهو مظهر صفات جمالي ولطفي ، ومن تمرد عنها بالإباء والاستكبار ، فهو مظهر صفات جلالي وقهري ، فحقيقة قوله : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ؛ أي : خلقت المقبولين منهم ؛ ليعبدوا الله فيكونوا مظهر صفات لطفه ، وخلقت المردودين منهم ؛ ليعبدوا الهوى فيكونوا مظهر صفات قهره ، هذا المعنى الذي أردت من خلقهم { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } [ الذاريات : 57 ] يحصلونه بكسبهم { وَمَآ أُرِيدُ } [ الذاريات : 57 ] منهم { أَن يُطْعِمُونِ } [ الذاريات : 57 ] ؛ يعني : ما خلقتهم لمصلحة من مصالح الدنيا يختص بها ؛ وإنما خلقتهم مختصين بأن يكونوا مظاهر صفات لطفي وقهري ومظهرهما . { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } [ الذاريات : 58 ] بجميع الخلائق ، { ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } [ الذاريات : 58 ] في خلق الأرزاق والمرزوقين ، { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الذاريات : 59 ] ، من أهل القلوب على قلوبهم ، بأن جعلوها ملوثة بحب الدنيا بعد أن كانت معدن محبة الله مع { ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } [ الذاريات : 59 ] من أرباب النفوس بجميع صفاتها ؛ لأن القلب إن صَلَحَ صَلُحَ به سائر الجسد ، وإذا فَسَدَ فَسَدَ به سائر الجسد { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } [ الذاريات : 59 ] في إفساد القلب { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الذاريات : 60 ] بنعمة ربهم في إفساد القلب ، { مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [ الذاريات : 60 ] بإفساد سائر صفات الجسد .