Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 112-114)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أهل الولاء إنهم قد أبطلوا بالأعداء بقوله تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } [ الأنعام : 112 ] ، إلى قوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ الأنعام : 114 ] ، الإشارة فيها : إن البلايا للسائرين إلى الله هي المطايا ، وإن أشد البلاء شماتة الأعداء ، فلما كانت رتبة الأنبياء - عليهم السلام - أعلى كانت عداوة الأعداء لهم أدنى جعلنا بهم أولى ، فقال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } [ الأنعام : 112 ] ؛ فشياطين الإنس نفسه الإثارة بالسوء وهي أعدى الأعداء ؛ ولهذا قدَّم ذكره على الجن هاهنا بخلاف المواضع الأخرى ؛ ليعلم عداوة النفس ، وأصحاب النفوس أشد وأصعب من عداوة شياطين الجن ، فإن كيد الشيطان مع الإنسان كان ضعيفاً ؛ فلصعوبة الابتلاء جمع الله تعالى بين الكيد في عداوة الأنبياء وللأولياء حتى قال : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [ الأنعام : 112 ] ، وبوزرهم به ؛ لتزيد مقاساة شدائد أذيتهم في دفعة مراتب قربهم وكماليتهم في العبودية ، وفنائهم في الأوصاف الربوبية ، وبقائهم بالأخلاق الإلهية . { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } [ الأنعام : 112 ] ، حتى عداوة شياطين الإنس والجن إنما هي بمشيئته لا بمشيئتهم ، { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 112 ] من زخرف القول ، فإن للأنبياء فيه ما ذكرنا ، وفيه للمؤمنين والكافرين ما ابتلاه ، كما قال تعالى : { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } [ الأنعام : 113 ] ؛ يعني : وليبتلي بزخرف قوله : المؤمنين والكافرين ، واكتفى بذكر أحد الفريقين عن الآخر ، فيصغى إلى زخارفهم الكافرون الذين لا إيمان لهم بأن سوى هذه الدار داراً أخرى فيغترون بزخارفهم ، وهم يشترون الحياة الدنيا بالآخرة ، { وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } [ الأنعام : 113 ] . وأمَّا المؤمنون فلا يصغون إلى زخارف قولهم ولا يغتروا بقولهم ، ولا يهنون لما أصابهم من عداوتهم في سبيل الله تعالى ، فيقوى بهم إيمانهم ، ويزداد قربهم ، ويتبدل أوصافهم الذميمة بالأخلاق الحميدة ، ويحسن تفردهم للحق وتجردهم عن الخلق ، ويقولون : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } [ الأنعام : 114 ] ؛ أي : أنا بالذي أطلب غير الله وغير محبته حاكماً من الدنيا والآخرة يحكم على أن أكون بحكمه ، { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً } [ الأنعام : 114 ] مبيناً للطالبين الصادقين طريق الحق من الباطل ، مبلغاً بنور هداه العبد المحب إلى محبوبه ومولاه ، { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } [ الأنعام : 114 ] ، أي : هداهم بنور الكتاب إلى حضرة الجلال ، { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [ الأنعام : 114 ] ؛ يعني : كوشفوا بحقائق القرآن أنه جذبة الحق منزل إلى المحبين ؛ ليجذبهم إلى محبوبهم ، { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ الأنعام : 114 ] الذين يشكون في أن القرآن جذبة الحق أم الأخلاق يتمسكون به وهذا نهي التكوين ، فكمن قال في الأزل : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } فما كان منهم فافهم جيداً .