Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-4)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يا أيتها اللطيفة الخفية المرسلة لا يغرنك القوى المنافقة النفسية بلين كلامهم وأيمانهم الكاذبة ، وافهمي ما قال الله تعالى في كتابه الكريم لحبيبه صاحب الخلق العظيم حيث جاءه المنافقون ، وقالوا له إنك لرسول الله وأضمروا خلاف ما أظهروه ، وجعلوا { أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } [ المنافقون : 2 ] وستراً لأنفسهم ليغتر الرسول بكلامهم وإيمانهم ، وبترك مقاتلتهم بقوله { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ المنافقون : 1 - 2 ] شهد الله على رسالة الرسول أولاً ثم يشهد على كذب المنافقين فيما يظهرون ؛ لأن الله مطلع على ضمائرهم على أنهم أضمروا خلاف ما أظهروا ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يغتر بشهادتهم وإيمانهم ، فكذلك أيتها اللطيفة المرسلة ينبغي ألا يغتر بالقوى المنافقة ؛ لأنهم إذا علموا منك الصدق في المجاهدة ، وثبات القدم في ترك الهوى ، وجاءوك ونافقوك وداهنوك والتمسوا منك أن تلقنهم الذكر ، ويأخذوا منك تلقين الذكر ، وكل ذلك لشعورهم بصدقك في المجاهدة لكي توافقهم وتواسيهم بأن النفس قد صارت مؤمنة ، فالواجب عليك إعطاء حقها ؛ لأن الله تعالى بين للسالك ثلاث مقامات في قوله : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [ فاطر : 32 ] فالسالك المبتدئ ينبغي أن يكون ظالماً لنفسه يأخذ منها حقها وحظها إلا مقدار ما يبقى رمقها ، ويتقوى به على الطاعة وإلى هذه النفس أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " أعدى أعدائك عدوك نفسك التي بين جنبيك " والمقتصد هو السالك المتوسط ينبغي أن يقصد في المجاهدة ويرفق بالنفس ؛ لأنها صارت في هذه المرتبة مركب للسالك وأشار إلى هذه النفس النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " نفسك مطيتك ، فارفق بها " ، والسابق هو السالك المنتهي يجب عليه أن يعطي حق النفس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها صاحبة للحق حيث قال : إن لنفسك عليك حقاً ، فيا أيتها اللطيفة تيقني أن النفس جبلت على النفاق فما دام فيها عرق من القوى السفلية الغير المستخلصة من رذائل الأخلاق باقياً ، فاحذري منها ، ولا تغتري بها ، وكذلك كلما وصل إليها شرب من عالم الطبيعة جدد نشاطها إلى الرجوع إلى طبيعتها ، وهي كمثل القصب المقطوع إذا وجد الماء يخرج أحسن فما كان قبل القطع وقلعه لا يمكن إلا بالموت الكبير الأخير ، ولأجل هذا السر أمر الله نبيه في كلامه بالعبادة حتى الموت بقوله : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] يعني : الموت الأخير الاضطراري لا الموت الاختياري ، ولكن يكسر قوتها بالموت الاختياري بحيث يسكن سلطانها ، ودخلت تحت أمر اللطيفة المرسلة ، فكوني على حذر منها متى دامت متصرفة في أرض البشرية ، ولا تغتروا بإيمانهم لأنهم اتخذوه جنة وستراً وصدوا وأعرضوا عن سبيل الحق بالأعمال السيئة والأخلاق الردية { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ } [ المنافقون : 3 ] بألسنتهم { ثُمَّ كَفَرُوا } [ المنافقون : 3 ] إذا خلوا بالقوى المشركة النفسية والقوى الكافرة القالبية ؛ ليجتذبوا منهم حظوظهم اليوم والشهوات العاجلة { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ المنافقون : 3 ] أي : ختم بالكفر حتى يسمعون منك الوارد الغض الطري { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [ المنافقون : 3 ] ويقولون أنه أساطير الأولين ، ونتائج طبعه المستقيم ، وأنه شاعر عظيم ، وساحر عليهم يسحر قلوب الخلق بكلامه الرائق ، وأن فقهه علامة حياة القلب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جواب من سأله عن الخيار بقوله : " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " يعني : كل من كان له استعداد كامل في الجاهلية إذا دخل في الإسلام بشرط حياة القلب ، وعلامتها فقه القلب أحكام الوارد والتذاذه به ، ومعه ذلك الاستعداد ، فهو يكون خيراً ممن لم يكن له استعداد مثل استعداده ، وهذا أمر بيِّن ، إذا كان رجل قوي المشي وهو يقصد [ السومنات ] لزيادة بيت الأوثان يرجع من الكفر ويسلم ويقبل على زيارة الكعبة ، ويمشي كل يوم فرسخاً هو يصل إلى الكعبة قبل الرجل الذي كان ضعيف المشي ، وهو مسلم عازم إلى زيارة البيت الحرام ، ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف " ، فأما هؤلاء المنافقون طبع على قلوبهم لنفاقهم فهم لا يفقهون حقيقة الوارد { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } [ المنافقون : 4 ] يعني : للقوى المنافقة النفسانية مناظر حسنة ، وقوة عظيمة ، وكلام رائق ، وتملق تام تعجبك حسن صورتهم ، ولنعوذ كلامهم { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } [ المنافقون : 4 ] أي : الفصاحة ظاهرهم ، وتشدقهم ولكنهم خشب مسندة أشباح بلا أرواح صور بلا معاني ، أسندهم الله على جدار القالب ، فلما خرب الجدار ، سقطوا كما يقول الله تعالى { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } [ المنافقون : 4 ] ويخافون من المجاهدة والمحاربة والهجرة عن مألوفات الطبع ، وإذا سمعوا من قوى القلب صيحة عند الذكر يكادوا أن يموتوا من الخوف ؛ لشعورهم بوصول جنود الخواطر السرية والخفية التي أي : حزب الرحمن { فَٱحْذَرْهُمْ } [ المنافقون : 4 ] واحذر عن صحبتهم وعن استماع كلامهم ، وعن مجالستهم { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [ المنافقون : 4 ] يعني : لعنهم الله بإفكهم كيف يؤفكون الكلام ، ويصرفون الناس عن الحق .