Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 8-11)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] يعني : القوى المنافقة العزيزة في وجودهم من حيث يشاءوا { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ } [ المنافقون : 8 ] من هذه العزوة ، وهي التي غزاها السالك في خلوته الأولى مع النفس ، والنفس إلى مدينتنا القالبية . { لَيُخْرِجَنَّ } [ المنافقون : 8 ] الخواطر القلبية التي آويناها في مدينتنا ، وهم غرباء أذلاء ، ولا يعلمون أن الغزوة لله ولرسوله وللمؤمنين ، كما يقول الله تعالى : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ } [ المنافقون : 8 ] يعز رسول الله بعد هذا الغزو ، ولا يقهر الأعداء ولرسوله لإعزاز الله إياه وتسلطه على القوى القالبية والنفسية ، وتسخير المدينة وأهلها شاءوا أم أبوا { وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] بنصر الله إياهم على أعدائهم ، وثباتهم في الجهاد ، وصبرهم على الشدائد الدنيوية الفانية { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ المنافقون : 8 ] لأن الله تعالى طبع على قلوبهم بعزته وحكمته { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 9 ] يعني : يا أيتها القوى المؤمنة لا يشغلكم استعدادكم الحاصل في هذه الغزوة في ميدان هذه الخلوة ، ولا نتائج خواطركم العارفة المطلعة على بعض أسرار الآثار والأفعال عن ذكر الله ؛ لأنكم إن تشتغلوا باستعدادكم ومعارفكم ، وتتركوا ذكر الله بلسانكم وقلبكم بعد خروجكم عن الخلوة ، وتضيعون أوقاتكم بمجالسة الأقران الذين هاجرتموهم عند دخول الخلوة ، وبمدارات الخلوة بان لنا قوة الاختلاط حاصل الاستعداد حصل بنا في هذه الخلوة شغلتم عن ذكر الله { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ المنافقون : 9 ] لخسرانهم رأس مالهم بلا ربح ؛ لأنك مطالب في كل نفس بعمل صالح ، فلو طوعت ذلك النفس وما كسبت بذلك النفس ، وهو رأس مالك في سوق الدنيا خسرت رأس مالك بلا ربح ، فكما أنك تشاهد أن من أكل في الأمس طعاماً لذيذاً وشراباً عذباً ، واليوم عطش وجاع لا ينفعه طعام الأمس وشرابه حتى يكسب طعاماً وشراباً ، ويأكل ويشرب ليسكن عطشه وجوعه اليومي ، فكذلك كل ما حصل لك في الخلق ، فإذا خرجت من الخلق ، وتركت الكسب رجعت وعطشت اليوم ما ينفعك ما وجدت من قبل هذا اليوم في الخلق ، فالواجب على السالك أن يجتهد في حفظ الأنفاس ، ومراعاة الأوقات لئلا يضيع نفساً من الأنفاس ، ولا يمشي عليه وقت من الأوقات إلا وهو ذاكر كاسب معرفة جديدة لنفسه الجديدة ؛ لأن كل نفس عليه حقاً كما أن له من كل نفس حظاً فحظه من النفس الحياة ، ومن النفس عليه ذكر الله ليكتسب به معرفة من معارف الصفات والذات ، ولو غفل عن الذكر في بعض الأوقات ينبغي أن يتداركه في الغدو والآصال ، ولا يجوز للسالك أن يمضي عليه يوم ولا يشتغل بالذكر على شرط النفي والإثبات بعد صلاة الصبح إلى وقت الإشراق ، وعند الغروب إلى سقوط الشفق الأحمر ومن غفل في هذين الوقتين عن الذكر فهو مُدَّع كذَّاب ليس من أهل السلوك ، ولو كان خلا ألف خلق ، { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ } [ المنافقون : 10 ] من الاستعدادات القوى السفلية والعلوية { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ المنافقون : 10 ] يعني : يجب على السالك أن ينفق قواه واستعداده الحاصل في عالم البشرية على وفق أمر الوارد من قبيل أن يدخل وقت انتزاع الاستعدادات ، ويكشف غطاؤه فيقول : رب لولا أخرتني لأني علمت حتى أصدق وأعمل صالحاً { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } [ المنافقون : 11 ] يعني : لا يمكن بعد حلول الأجل المعلوم أن يؤخر لأحد { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المنافقون : 11 ] يعني : عليهم بأعمالهم وضمائرهم لو ردوا لما نهوا عنه ، وأنهم خلقوا مظاهر لقهره ولا يعملون صالحاً ، ولا ينفقون نفقة إلا رياء وسمعة ، ولا يجتهدون في تزكية قواهم وتصفية نفوسهم ؛ لأنهم قوم لا يعلمون حكمة إرسال اللطيفة إليهم ، ولا يفقهون أحكام الوارد على اللطيفة المرسلة . فيا أيها السالك اعتبر بهذه الآيات ، واغتنم هذا التفسير ، ولا تغتر بخلوتك ومعرفتك واستعدادك الحاصل في هذا الغزو ، وكن ذاكراً لله على كل حال ، وراقب نفسك لئلا تشتغل بالهوى ، وحاسبها في كل يوم وليلة خمس مرات ، وناقشها في المحاسبة ، وحافظ على وقت الصبح إلى الإشراق ، ومن المغرب إلى العشاء خاصة ؛ لئلا تكون غافلاً عن ذكر الله في هذين الوقتين ؛ لتكتب في جريدة السالكين المجاهدين الذاكرين ، ولا تكتب من القاعدين المتكاسلين الغافلين . ويا أيتها اللطيفة افهمي ما كتبت هذه الأسرار إلا عن مشاهدة فثقي بقولي ؛ لأنك على الخبير بها سقطت ، واليوم الذي كنت مشغولاً بكتابة هذه القدسية أرسل الله القوى المنافقة بعد الإشراق إلى [ دعايتهم ] وسمعت كلامهم ، فلما رجعت عن الغيبة خرجت من الخلوة وصليت شكراً وكتبت هذه على هذه الأوراق . اللهم وفقنا لحفظ الأوقات وعد الأنفاس ، والاشتغال بذكرك الكريم بجميع الحواس ، وقونا على دفع الوسواس وهي خواطر الناس بحق محمد المبعوث إلى الجنة والناس صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ذوي البأس ، والتابعين لهم بإحسان صلاة لا تدخل تحت القياس .