Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 10-12)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ التحريم : 10 ] ، يعني : ضرب الله مثلاً للقوى الكافرة المستكبرة { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا } [ التحريم : 10 ] ، قوتين قابلتين { تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ } [ التحريم : 10 ] ، أي : قوتين فاعلتين صالحتين { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] ، القوتان القابلتان بكفرهما بربهما ، وإنكارهما اللطيفتين الصالحتين الفاعلتين ؛ { فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ التحريم : 10 ] ، يعني : لا ينفعهما أنهما كانتا قابلتين تحت اللطيفتين الصالحتين ، ولا يدفعا عنهما من عذاب الله من شيء { وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } [ التحريم : 10 ] ، يعني : قيل للقوتين القابلتين ادخلا مع القوى الكافرة القالبية والنفسية النارية التي أنتم أوقدتموها في دار الكسب من نيران الحسد والكبر والكفر والشهوة الردية . { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } [ التحريم : 11 ] ، يعني : القوى المؤمنة من قوى النفس اللوامة { ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ } [ التحريم : 11 ] ، يعني : القوى الصالحة القابلة تحت القوة الفاسدة الفاعلة المستكبرة ما ضرها كفر القوة الفاعلة الفاسدة إذا كانت صالحة هي بنفسها { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ التحريم : 11 ] ، يعني : إذ قالت اللطيفة الصالحة القابلة في مناجاتها مع ربها : { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً } في أخص أطوار القلب ، وهي [ … ] موضع عند الرب الصمد الواحد الأحد الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] ، وقالت أيضاً في مناجاتها : { وَنَجِّنِي } من هذه القوة الفاسدة الفاعلة وعملها ، { وَنَجِّنِي } من أعوانها وقواها الظالمة ، انظر كيف نجاها ، وبنى لها بيتاً في الجنة المضافة المخصوصة به ، وما نفعت صحبتها للقوة الفاسدة الفاعلة ، وكيف ينفع ويضر والله يقول : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يا فاطمة أنقذي نفسك من النار " يعني : لا يحمل القلب وزر الخاطر الذي يخطر من قبل النفس ، ولا الروح وزر خاطر القلب ، ولا النفس وزر خاطر القلب والروح ، ولا ينفع النفس والقالب طاعة الروح والقلب ، إن لم يطيعا بالجوارح الظاهرة القالبية والقوى الباطنة النفسية . { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [ التحريم : 12 ] . وهي القوة الإرادية التي لا تتصل بقوة الولاية ، وسلكت مسلك الطريقة بإحصان فرج قوة القابلة عن الأباطيل والحظوظ الردية الشهوانية الهوائية { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] ، يعني : جذبناها إلينا وأوصلناها إلى مرتبة حصلت لها اللطيفة الخفية العيسوية فصارت ولية { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ } [ التحريم : 12 ] ، من غير أن يعلمها أحد وارد بالكلمات في الأنفس الوارد الذي يرد عليها { وَكُتُبِهِ } يعني : ما تجد مكتوبا على صحف قلبها وسرها وروحها { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } [ التحريم : 12 ] ، أي : من القوى مطيعين وهذا إشارة شريفة في حق المجذوبين يعني : ذكر بصفة الرجال وأدخلهم في القانتين منهم ، يعني : من أحصن فرج قابليته من المريدين وإن لم يصل إلى مرشد ويصدق الوارد وما يجد في صحف القلب والسر والروح ، ويتوجه إلى الله توجهاً كليا لما يمكن له الوصول إلى مرتبة الولاية ؛ ولكن على سبيل الندرة ، والنادر لا حكم له ، وحظ السالك من هذه السورة وتفسير بطنها : أن يحترز في أن يحرم ما أحل الله على نفسه بجهله عنده مبادئ المكاشفات والمشاهدات ، وقلما السالك إذا ابتلاه الله بالغيبة عن خدمة شيخه في بداية أمره كما كان حال هذا المسكين أن يتخلص من هذه الورطة ، وسبيله إذا عرف اللطيفة حق المعرفة أو عرّفه شيخه يتوب إلى الله من ذلك الفعل ، ويأكل ما قد حرمه الله في البداية على نفسه قدر ما يرفع عنه اسم التحريم ، ويقتصر على ذلك ، ويأكل لقمات متتابعة ، وكل عمل حلال حرم على نفسه في البداية على نفسه [ يعمله ] بقدر ما يرفع اسم التحريم ؛ فينبغي أن يشتغل به قدر ما خرج عن حد النهي الذي يقول في كتابه الكريم بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ المائدة : 87 ] ، واقتصروا على عمل واحد في كل سَنة ، أو لقمة واحدة في كل وقت حضرت لموافقة أخ من الإخوان ، إذا علم إن لم يواكله ينكسر قلبه ويحزن عليه صاحبه يوافقه ويواكله ، ولا يسرف في أكلها ، ولا يأكلها إذا كان خالياً إلا لقمة واحدة ؛ لأنه قال الله تعالى : { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } [ آل عمران : 93 ] ، وهذه الآية تدل على أن السالك إذا حرم شيئاً على نفسه في بداية أمره لله جهلاً بالطريق فلا يجوز الاشتغال به بعد ورود الوارد عليه ومعرفته بالطريق ؛ ولكن نسخ حكمه حكم هذه السورة المنزلة على اللطيفة الخفية التي هي خاتم اللطائف ، ودينها ناسخ الأديان . وحظ آخر للسالك من تفسير بطن هذه السورة : أن يتيقن بأن لكل قوة من قواها القابلة والفاعلة عذاب مختص بها لا ينفعها صلاح القوة الفاعلة ، ولو فسدت الفاعلة لا ينفعها صلاح القوة القابلة ، ولا يضر فساد القوة الفاعلة للقوة الصالحة القابلة وعلى العكس ، وفي كشف هذا السر باب مفتوح إلى مطلع القرآن مما يجب إغلاقه فسددته ورجعت إلى ما يليق بآذان المستمعين وحوصلة المسترشدين . فاعلم أيها المسترشد إن السالك ربما يكون في ساعة واحدة في الجنة والجحيم وهذا مما شاهدناه مراراً في أنفسنا ، وأنفس السالكين الذين سلكوا هذا الطريق بحضرتنا ، وأمرنا بأن لطيفة منك ولها صورة معينة تعرفها أنها صورتك متنعمة في أعلى عليين ، وفي هذه الحالة أيضاً ترى لطيفة منك على صورتك - غير هذه اللطيفة المنعمة وأنت تشاهدها وتعرفها أنها صورتك - معذبة في أسفل سافلين ، وأنت الشاهد بصورتي لطيفتك ، وتتعجب من هذه الحالة المتضادة ! وتتألم بألم الصورة المتألمة ، وتتنعم بتنعم الصورة المتنعمة ، وربما يكون أربع صور ، وربما يكون سبع صور ، وربما أن يكون ترى العالم مملوءاً من صورك ، كل صورة في عمل خاص ، وربما يكون أن تشاهد جميع الصور يتحركون بحركتك ، وينبسطون ببسطك ، وينقبضون بقبضك ، ويتكلمون بكلامك ، وكل شيء يصدر منك يصدر منهم ، مثل الصورة المنطبقة في المرآة من عكس صورتك ، وسر هذه الصورة المنطبقة في المرآة من عكس صورتك ، وسر هذه الصور يتعلق أيضاً بحد القرآن . قلنا : [ ولما كنا غير ] مأذونين في إفشائه فطوينا الصحيفة ، وختمنا هذه السورة على دعاء ألهمته الوقت : اللهم اجعل صورنا ومعانينا منورين بنور وجهك الكريم ، لئلا نلتفت عنك إلى غيرك ، وليس الغير موجوداً ! يا عليم يا حليم يا عظيم يا رحيم بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، [ يوم ] يفرغ فيه الحكيم من حساب اللئيم الكريم .