Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 27-30)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً } [ الملك : 27 ] ؛ يعني : بعض القوى المكذبة لما شاهدوا بعض الآيات في أثناء السلوك { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الملك : 27 ] ؛ أي : اسودت بما كذبوا الآيات التي شاهدتها الآن ، { وَقِيلَ } [ الملك : 27 ] لهم القوى العلوية { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } [ الملك : 27 ] أي : تتمنون أن يعجل فينبغي للسالك في هذا المقام ألاَّ يدع النفس أن تشك في بواقي الآيات ؛ لأنها ما دامت في قالب الكدورات يصل من عالم السفل إليها دخان يصعد من الهوى على دماغها يحفظ عقله يشك ، فإذا أراد السالك آية من آيات النفس مما لم يكن يراها قبل السلوك فيجب الإذعان لمسلكه واشتغاله برفع الحجاب ؛ ليرى آيات ربه الكبرى وإن لم يقدر على رفع الحجاب فينبغي أن يكون مؤمناً ببواقي الآيات ، مصدقاً بملكه قياساً فيما يقول ويحكي عن الآيات الأنفسية الغيبية ، وألاَّ يشك البتة فيما يشاهد قرنائه وأصحاب مسلكه قياساً : إنني أيضاً سالك ولم أر ما يحكي نظر ؛ أي : لأن الاستعدادات متفاوتة في الكثافة واللطافة ، والله يقبض ويبسط ، ويعطي ويمنع كيف يشاء ، لا راد لقضائه ، ولا مانع لعطائه ، ولا دافع لبلائه ، وعلينا التسليم والتصديق وله الحكم على التحقيق وبيده التوفيق ، وهو الرفيق في هذا الطريق . { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ } [ الملك : 28 ] ؛ يعني : أيتها اللطيفة المبلغة المنذرة المبشرة ، قولي : { إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ } [ الملك : 28 ] من القوى [ المؤمنة ] { أَوْ رَحِمَنَا } [ الملك : 28 ] من غاية كرمه ورحمته فضلاً منه من يقدر أن يقول لم أهلكت أو رحمت ، { فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الملك : 28 ] يوم يكشف الغطاء عن أبصارهم ويعذبهم بصفاتهم وأخلاقهم ، من يجيرهم منه فنحن بعد الإيمان نخاف منه ، فكيف لا تخافون مع وجود الاستكبار عن عبادته ، وكيف لا نخاف لأنا نعلم أنه غني عن العالمين وعن أعمالهم ، فمن يهلكه فبعدله ومن يرحمه فبفضله . { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ } [ الملك : 29 ] ؛ يعني : هو الذي آمنا به ، هو الرحمن المستوي على عرش روحانية [ قلوبنا ] ، { وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [ الملك : 29 ] ؛ لأنه ضمن كفالتنا ووكالتنا ، { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الملك : 29 ] ؛ يعني : سوف ترون وقت كشف الغطاء ما تستمعون منا اليوم ولا تصدقونه ، وتطلعونه على ضلالتكم وجهالتكم معاينة ، { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً } [ الملك : 30 ] أيها السالك الواصل إلى ينبوع المعرفة احذر من هذا الخطاب بقول مع اللطيفة المبلغة قول للقوى المواصلة العارفة : إن كنتم تصبحون في حال التجلي الجمال ، وترون ينبوع المعرفة غوراً ليس فيها ماء ، { فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } [ الملك : 30 ] من الذي يقدر أن يأتي بماء الإيمان ظاهراً بحيث ترى العيون آثاره في عالم الناسوت ؟ وهي الأعمال التي هي مخصوصة بالخوارج أذهب بماء الإيمان عن ينبوع قلبه ، لا يظهر الأعمال على جوارحه البتة ، وبقدر ظهور بماء الإيمان من ينبوع القلب ، يستعمل الجوارح بالطاعات ويمنعها عن المخلفات وارتكاب المنهيات ، فكن حذراً أيها السالك العارف مادمت في قفص القالب أسيراً محبوساً ، ولا تتكئ على معرفتك ومشاهدتك حتى تكسر قفص القالب وتطير إلى ذكرك الأصلي ، واجمع بين ظاهر تفسير القرآن وباطنه ، وأجر حكمهما على ظاهرك وباطنك ؛ لأن الله تعالى خلقك من الغيبية والشهادية ، وعبادة الغيبية والشهادية وعبادة الغيبية [ الغبيَّة ] والحضور ، والإخلاص والصدق ، وعبادة الشهادية الركوع والسجود ، والقيام والقعود ، والصلاة والصوم والجهاد والزكاة والحج ، ولكل ركن من الأركان الظاهرة ركن معين بإزائه من الأركان الباطنة ، إن أهملته فقد كنت كمن عمل على قشر الجوز ليخرج منه الدهن ، فاجتهد أن تكون من [ السادة في ] الطهارة والعبادة في الظاهر والباطن لتكون كاملاً في مرتبة الإنسانية ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه ، وصلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .