Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 142-145)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن صفات وأهل القربات بقوله تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [ الأعراف : 142 ] إلى قوله : { تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأعراف : 143 ] الإشارة فيها : أن في قوله تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } إشارة إلى الميعاد في الحقيقة كان أربعين ليلة وإن كان في الظاهر ثلاثين ليلة لقوله تعالى : { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } فالتمام هو : الأربعون ، والثلاثون ناقص ، ويدل على هذا قوله تعالى : { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [ البقرة : 51 ] وإنما أظهر الوعد ثلاثين ليلة ؛ لضعف البشرية قواعد ثلاثين ليلة ثم أتمها بالعشر ، وفيه أن الأربعين خصوصية في استحقاق استماع الكلام للأنبياء ، كما أن لها اختصاصاً في ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الأولياء بقوله صلى الله عليه وسلم : " من أخلص لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " والحكمة في تعيين عدد الأربعين : إن فيها كمال الكمال ذكرنا في البقرة . وفي قوله تعالى : { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [ الأعراف : 142 ] أيضاً دليل على أن ميعاد ربه في الحقيقة كان أربعين ليلة ، وفي قوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي } [ الأعراف : 142 ] الإشارة فيها : إلى أن موسى عليه السلام الروح يقول لأخيه هارون القلب عند توجهه لميقات الحق ومقام المكالمة والتصدي لتجلي ربه : كن خليفتي { فِي قَوْمِي } من أوصاف البشرية ونعوت الإنسانية { وَأَصْلِحْ } [ الأعراف : 142 ] ذات بينهم على وفق الشريعة وقانون الطريقة ، { وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ الأعراف : 142 ] ؛ يعني : سبيل الهوى والطبيعة الحيوانية النفسانية ؛ وهذا هو السر الأعظم في بعثة الروح من ذروة عالم الأرواح إلى حضيض عالم الأشباح ؛ ليحصل منه خليفة من القلب الروحاني القابل للنور الرباني يكون خليفة ، وخليفة رب العالمين بخلافته عند مجيء الروح لميقات ربه كما قال تعالى : { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [ الأعراف : 143 ] ؛ يعني : ولمَّا حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشرب من صفو الصفات ، ودارت أقداح المكالمات ، واثر فيه لذا ذات أسماع الكلمات فطرب واضطرب ، إذ سكر من شرب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات في المخاطبات ، فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه ، وعند استيلاء سلاطين الشوق وغلبات دواعي المحبة في الذوق { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] قال : هيهات أنت للإثنينية منكوب وبحجب جبل الأنانية محجوب ، وإنك إذا نظرت بك إلي { قَالَ لَن تَرَانِي } [ الأعراف : 143 ] ؛ لأنه لا يراني إلا من كنت له بصراً فبي يبصر ، { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } [ الأعراف : 143 ] جبل الأنانية ، { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } [ الأعراف : 143 ] عند التجلي { فَسَوْفَ تَرَانِي } [ الأعراف : 143 ] ببصر أنانيتك ، { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } [ الأعراف : 143 ] أنانيته { جَعَلَهُ دَكّاً } [ الأعراف : 143 ] فانياً كأن لم يكن ، { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] بالأنانية ، فكان ما كان بعد أن بان ، { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } [ الزمر : 69 ] ، { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [ الإسراء : 81 ] . @ قد كان ما كان سراً أبوح به فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر @@ ولو لم يكن جبل أنانية النفس بين موسى الروح وتجلي الرب لطاش في الحال وما عاش ، ولولا القالب خليفته عند الفناء بالتجلي لما أمكنه الإفاقة والرجع إلى الوجود ، فافهم جدّاً . ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلي ولا بالتحلي تفهم - إن شاء الله تعالى - { فَلَمَّآ أَفَاقَ } [ الأعراف : 143 ] من غشية الأنانية بسطوة تجلي الربوبية ، { قَالَ } [ الأعراف : 143 ] موسى ؛ أي : هويته { سُبْحَانَكَ } [ الأعراف : 143 ] تنزيهاً لك من خلقك واتصال الخلق بك { تُبْتُ } [ الأعراف : 143 ] من أنانيتي ، { إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] إلى هويتك بك ، { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأعراف : 143 ] بأنك لا ترى ولا ترى إلا بنور هويتك بك . ثم أخبر عن اصطفائه لأوليائه بقوله تعالى : { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الأعراف : 144 ] الآيتين الإشارة فيهما : أن الله تعالى اصطفى كل نبي على الخلق بنوع أو نوعين أو أنواع من الكمال عند خلقته ، وركب في ذروة طينته استعداد ظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده ؛ ولهذا قال : { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [ الأعراف : 144 ] ؛ يعني : اصطفيتك عند تركيب هذين النوعين من الكمال في طينتك وهما : الرسالة والمكالمة ، وفيه إشارة إلى أن نوع كمال الرؤية التي سألتنيها وما اصطفيتك به وما ركبت استعداده في طينتك ، وإنما اصطفى به نبينا صلى الله عليه وسلم وخصَّه بذلك من بين الأنبياء - عليهم السلام كلهم - واصطفيه بجميع ما اصطفاهم به ، ويدل عليه قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] ، ثم قال لموسى عليه السلام : { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } [ الأعراف : 144 ] ؛ يعني : وما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة ، { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [ الأعراف : 144 ] فإن الشكر يبلغك إلى ما سألت من الرؤية ؛ لأن الشكر يستدعي الزيادة لقوله تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] ، والزيادة هي : الرؤية لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الزيادة هي الرؤية ، والحسنى الجنة " . { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً } [ الأعراف : 145 ] ؛ يعني : ثبتنا في الألواح كل المواعظ التي بها حاجة مجملاً ، { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 145 ] ؛ يعني : فصلناه بتبيين كل نوع من أنواع الكمال وما يبلغ إلى ذلك الكمال ، ومن جملته أنه بيَّن في الألواح أن الرؤية مخصوصة بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته حتى استدعى موسى عليه السلام لنيل مقام رؤية ربه ، فقال موسى عليه السلام : اللهم اجعلني من أصحابه ، { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } [ الأعراف : 145 ] ؛ يعني : خذ هذه المواعظ وما بيَّنا لك بقوة الصدق والإخلاص والجد والاجتهاد ، وأيضاً بقوة منا وصدق الالتجاء إلينا ؛ لنعينك ونقويك على العمل بها ، { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } [ الأعراف : 145 ] ؛ يعني : هذه المواعظ تدلهم على ترك الدنيا وطلب الآخرة ، ودرجات بعضها فوق بعض ، وأعلاها وأحسنها فيأخذوا بأحسنها بأعلاها درجة وأكملها فضيلة ، وأيضاً كما طلب الآخرة أحسن من طلب الدنيا كذلك طلب الله أحسن من طلب الآخرة فيأخذوا بأحسنها ، { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ الأعراف : 145 ] ؛ يعني : الخارجين عن طلب الآخرة إلى طلب الدنيا فدارهم أسفل السافلين ؛ لقوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 5 ] ودار الخارجين من طلب الله إلى طلب الآخرة فدارهم الجنة ، ودار الخارجين من طلب الآخرة إلى طلب الله هي { مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] ، فافهم جدّاً .