Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 19-20)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ } [ المزمل : 19 ] ؛ يعني : إن هذه الآيات موعظة وتذكير لمن يشاء سبيل الهدى والإعراض عن الهوى ، { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ المزمل : 19 ] واشتغل بذكره بكرة وأصيلاً ؛ لئلا يذوق في ذلك اليوم عذاباً وبيلاً . { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : أيتها اللطيفة الخفية إن الله يعلم أنك في بداية السلوك في ظلمة الليل الجلال تقوم مقام التوجه أقل من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من القوى معك ، { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } [ المزمل : 20 ] فلا بد من تجلي الجلال والجمال على وفق استطاعة القالب والروح ، { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } [ المزمل : 20 ] حتى لن تطيقوه ، لأن القوة البشرية لا تتحمل هذه المجاهدات التي كنتم تشتغلون بها في البدايات ، لأن المبتدئ الرحيل في الطريق ومباينه يظن أنه بالعجلة وحمل الميثاق يقطعه وذلك من غاية اشتياقه وقلة معرفته بالحق ، فلما سلك ووصل إلى عالم العرفان يطلع على أن كل شيء مرهون بوقت معين لا يمكن الوصول إليه قبل إيقانه ، فدخل فيه الضعف الذي أشار الله تعالى إليه بقوله : { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } [ الأنفال : 66 ] ، ولحكمة هذا الضعف أسرار جمة مختصة بحد القرآن ، { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : رحمكم بالتخفيف والعفو والتقصير في القيام بمثل تلك المجاهدات العنيفة ، { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } [ المزمل : 20 ] من تناول الحظوظ النفسية والقلبية مما لا يمكن بقاء الحقوق القلبية والروحية إلا بها ، فمنَّ عليكم من أن جاهدتم فينا وهديناكم إلى الملة الحنيفية السمحة السمية ، من [ قوى ] صحيفة سركم . واعلموا " إن الدين لمتين فأوغلوا فيه برفق " ؛ لأن المنبت لا أرض قطع ولا ظهراً أبقى ، { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : الهوى المؤمنة القالبية ولا الجالبية طعام الحظوظ من عالم الشهادة ابتغاء الحقوق المودعة في الحظوظ التي هي من فضل الله لم تقرع لقراءة صحيفة سره ، فهو معفو مغفور أن يقتصر على خمس آيات من لوح قلبه ، { وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : القوى المؤمنة النفسية الذين يجاهدون للقوى الكافرة القالبية والمشركة النفسية ، ويقاتلون القوى الشيطانية النازلة في جهنم الصدر ؛ لئلا يغلبوا على القوى القلبية مغفورون وإن اقتصروا على تيسير من قرأ الآيات السرية من لوح القلب مخزون على المقابلة لما كانت القوى القالبية والسرية مجذبة على القراءة ، { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : أقيموا في مقام التوجه ، وآتوا زكاة أنفسكم ، وإيتاء زكاة النفس في حد المقام تطهيرها من الحظوظ بحق الذكر ، { وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : من صلة الرحم وقري الضيف ، وصلة الرحم في هذا المقام للسالك أن ينصح لقوى النفس والقالب بالخير ، ويدعوهم إلى سبيل النجاة بحسن الخلق والمداراة والرفق بهم ، وقري الضيف هو إكرام الخواطر السرية والخفية وإكرامها حضور القلب مع الرب ، وإطعامها طعام الذكر وشراب الإخلاص ، { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : كل عمل يعمل هو ذخيرة مدخرة عند الله لا بد أن تجدوه ؛ لأنه مستودع ، { هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } [ المزمل : 20 ] ؛ أي : الساعة ادَّخرنا فيها خير لأنفسكم وطاعة هي خير مما أفنيتم ساعاتكم بالبطالة ؛ أي : ادخرتم في تلك الساعة لأنفسكم عقوبة وأعظم أجراً للعمل القلبي من العمل القالبي . فاجتهدوا بعد تحقيق المجاهدة الصورية بالمجاهدة المعنوية ؛ وهي الإخلاص في الأعمال وصدق التوجه ونفي الخواطر الردية ؛ { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } [ المزمل : 20 ] من رؤيتكم خلاصكم ، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المزمل : 20 ] ؛ يعني : يغفر لمن يتوب إليه بعد الاكتساب من المعاصي ، ويرحم من تغلب عليه شهوته ، وهو يريد أن يدفعها ولا يمكن له دفعها لغلبة قواها القالبية والنفسية ، وضعف قوى قلبه ينصره بخواطر السكينة وملكية الرحمة ما لنا ذلة على صدره من عالم سره ليخرج من ضيق المجاهدة مع الشهوة إلى متسع عالم الرحمة . اللهم اغفر خطايانا ، وارحم عجزنا وتقصيرنا بحق محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وعلى آله وأصحابه أجمعين .