Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-12)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا أيها المتأمل في إبلاغ الوارد ، والمزمل بكساء النفس عند هبوب رياح اللطيف البارد حرارة نيران النشوة الشارد لذة الرقاد عن العين الطارد جند الشهوات عن الباطن ، وغماء لأنف الشيطان الماردة تفكر في سورة المزمل حيث قال الله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } [ المزمل : 1 - 4 ] ؛ يعني : أيها المتلفف بكساء النفس عند وجدان برودة الوارد قم في غلبة أنوار الجلال للتقرب إلى الله الملك المتعال ، والتوجه بالكلية إليه خاصة في تلك الحالة إلى أن يطلع صبح الجمال من أفق الصدر ، وإن غلب عليك الملال وعلى جوارحك الكلال فاسترح قليلاً نصفه أو ثلثه أو ثلثين . واعلم أن الله لا يمل حتى تملوا فتقرب إليه بالنشاط { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [ المزمل : 4 ] ؛ يعني : تثبت فيه تثبيتاً ، وتدبر في قصصه تدبيراً ، وتفكر في أوامره ونواهيه تفكراً تاماً والتقط من در حكمته سلاماً ، وتلذذ بأذيال رحمة الله عند قراءتك آية الرحمن بمطالعتك آيات ألطاف البر التواب ، وقد جاء في الحديث الصحيح المروي عن سيد الأحباب أنه قام بآية من القرآن ليلة ومراوده أبو ذر وإن تلك الآية كانت { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] ، فاعتبر من جولان سره في ميدان هذه الآية الجامعة لأسرار مظاهر اللطف والقهر وأسراره من حد القرآن ، ولا تعبر على الآيات كعبور الغافلين كما ذكرهم تعالى في كتابه حيث يقول : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [ يوسف : 105 ] ، وتيقن أن كل آية من آيات القرآن كنز من كنوز الرحمن فيه جواهر ودرر لا تحصى . فاغتنم بتسيير القرآن على اللسان وكشف بيانه على الجنان ، وعندي أن من يقدر على اقتطاف ثمرة من ثمراته يستنكف التلذذ بثمرات الجنان ، تيقظ فتفكر { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [ المزمل : 5 ] ؛ يعني : ثقيلاً في العمل والوزن والقدر ؛ أي : عمله ثقيل على الأبدان ، وثوابه في الميزان ، وقدره عظيم عند الرحمن ، والموارد ثقل إذا يرد على السالك في البداية كأن السماء وقعت عليه ، ولا يحسب أن ثقل الوارد يوازي ثقل الوحي ولا عشر عشيره ، روت عائشة رضي الله عنها " رأيته ينزل عليه في اليوم الشاتي الشديد البرد فينفصم عنه وأن جبينه يتفصد عرقاً " وهو صلى الله عليه وسلم في القوة بمرتبة ، قيل في حقه أن الله أعطاه أربعين ضعف قوة أعطاها الله لموسى بن عمران وهو أقوى الأنبياء . { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ المزمل : 6 ] ؛ يعني : الثلث الأخير هي أجدر للقانتين أن يتوجهوا إلى الله فيه ؛ لأن في تلك الساعة أخذت النفس حظها من النوم ، ولها نشاط في الطاعة ، والوقت وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا ، وأصوب للتقرب إلى الرب ، وأصح للقراءة دائم ، وأتم إخلاصاً في القيام ، وأكثر بركة في تلك الساعة المباركة التي يمتد سلطنة الجلال إلى آخرها ، وقرب طلوع صبح الجمال والدعاء والتضرع والابتهال ، وأرجى للاستجابة ؛ لأنه يقول : " هل من داع فأجيبه ، هل من سائل فأعطيه " . { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } [ المزمل : 7 ] ؛ يعني : إن اللطيفة في نهار تجلي الجمال متصرفاً في القوى ، وإقبالاً وإدباراً في قضاء الحقوقية مما فرض عليها أداؤها وقضاؤها ، كما جاء في الحديث " إن لنفسك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً " في عالم الأنفس ؛ وهي القوى القالبية ، وإن لزوجك عليك حقاً في عالم السر الخفي ، وأداء هذه الحقوق لا يمكن إلا في تجلي نهار الجمال ، { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] بعد الصلاة في الليل اشتغل بذكر لا إله إلا الله ، وأخلص في الذكر لله إخلاصاً ، وانقطع إليه في الذكر انقطاعاً كلياً وهذا من خاصية الذكر ، فالواجب عليك أن تشتغل بذكر الله في ناشئة الليل مخلصاً في ذكرك منقطعاً عن ذكر غير ربك . { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } [ المزمل : 9 ] على قراءة من يقرأ بأن يكون على نعت الرب ؛ يعني : رب مشرق شمس الروح في عالم الأجسام ، ومغرب شمس الإيمان في عالم الأرواح ، وفي هذا سر يتعلق بحد القرآن ، { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ المزمل : 9 ] ليس وجود يستحق لأن يكون معبوداً إلا هو ، { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [ المزمل : 9 ] ؛ يعني : فوض إليه أمرك ؛ لأنه قيم بأمورك قبل شعورك بوجودك ، فالآن أيضارع التدبير إلى من خلقك تستريح ؟ { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ المزمل : 10 ] القوى الجاهلة بألاَّ يقوم بأمرنا ، { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } [ المزمل : 10 ] ؛ يعني : لا تؤتهم عنك ، ولا تلتفت إلى ما يقولون فاهجرهم بالقلب ، وخالطهم بالقالب ، { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ } [ المزمل : 11 ] ؛ يعني : دعني والقوى المكذبة بالوارد باللطيفة المنذرة أولي النعمة ؛ يعني : بالاستعدادات التي أنعمنا بها عليهم ، { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } [ المزمل : 11 ] ؛ أي : زماناً قليلاً في الدنيا ؛ ليزيدوا في شقاوتهم الموعودة لهم . { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً } [ المزمل : 12 ] ؛ يعني : قيوداً عظاماً هي نتيجة صفة بخلهم ، { وَجَحِيماً } [ المزمل : 12 ] .