Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 36-40)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن خسارة أهل الكفر وخسارتهم بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 36 ] إلى قوله : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأنفال : 37 ] الإشارة فيها : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ } أي : كما أن من دأب الكفار أن ينفقوا أموالهم التي لها صلاحية الإنفاق في سبيل الله ، ولتقبل القلوب بها إلى الله ؛ ليصدوا عن سبيل الله الخلق بها ، كذلك دأب كفار النفوس ، أن تنفقوا أموال الاستعداد الفطري التي لها صلاحية الصرف في طلب الله وتحصيل الكمال الإنساني ؛ ليصدوا القلوب والأرواح المقبلة إلى الله تعالى عن سبيل الله وطلبه باتباع الهوى وطلب شهوات الدنيا ، { فَسَيُنفِقُونَهَا } [ الأنفال : 36 ] يعني : الاستعدادات في استيفاء اللذات الحيوانية والشيطانية ، { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } [ الأنفال : 36 ] أي : عند تحقيق فسادها وتضيع فرصتها ، كما قيل : @ أيها القانص ما أحسنت صيد الظبيات فاتك السرب وما ازددت غير الحسرات @@ { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } [ الأنفال : 36 ] أي : لا يظفرون بالمرامات الدنيوية التي هي مرام النفوس كلها في الأعمال القصيرة المتشابهة وتفوت لهم السعادات الكاملة الأخروية الأبدية ، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } [ الأنفال : 36 ] يعني : من الأرواح والقلوب باتباعهم الهوى ، وطلب شهوات الدنيا في موافقة النفوس ومخالفة الشريعة والطريقة ، { إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } [ الأنفال : 36 ] أي : يجمعون في جهنم البعد والقطيعة عن الله تعالى مع النفوس المتمردة . { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } [ الأنفال : 37 ] أي : ليميز الأرواح والقلوب الخبيثة التي تخدع النفوس تميل إلى الدنيا وزخارفها ، وتتبع الهوى وتتحرى لغة الشرائع والأنبياء - عليهم السلام - من الأرواح والقلوب الطيبة التي لا تتبع الهوى ، ولا تركن إلى الدنيا ، ولا تنخدع بخداع النفوس وحيلها ؛ بل تقبل إلى الله وطلبه في متابعة الأنبياء ومخالفة الهوى ، وأيضاً الطيب من الأحوال ما يبذل في طلب الله تعالى على الطالبين ، والخبيث ما يلتفت إليه الغالب من غير حاجة ضرورية ، فينقله الله تعالى وطلبه يكون قاطع طريقه . { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ الأنفال : 37 ] أي : بعض أرواح القلوب الخبيثة على بعض النفوس ، { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } [ الأنفال : 37 ] وذلك أن الله تعالى خلق الروح نورانياً علوياً وخلق النفس ظلمانية سفلية ثم أشرك بينهما وجعل رأس مالهما الاستعداد الفطري القابل للترقي والكمال في القربة والمعرفة والخسارة والنقصان فيها ؛ لربح كل واحدة منها على تجارة قوله تعالى : { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } [ الصف : 10 - 11 ] ولتستعين كل واحدة منهما في الترقي من مقامه بما أودع فيهما ، فمن الناس من ربح روحه ونفسه جميعاً على هذه التجارة بأن آمن وجاهد بنفسه وماله في سبيل الله وطلبه وبلغ مبلغ الرجال البالغين ، ومنهم من ربح روحه بأن آمن بالله ورسوله وخسرت نفسه بأن عصت الله وخالفت الشريعة ، ومنهم من خسر روحه ونفسه جميعاً بأن لم يؤمن بالله ورسوله وكفر بهما . قيل : دُخِلَ على الشبلي - رحمه الله - في وقت وفاته وهو يقول : " يجوز يجوز " ، فقيل له : ما معنى قولك : " يجوز " ؟ فقال : خلق الله الروح والنفس وأشرك بين الروح والنفس فعملا واتجرا سنين كثيرة فحوسبا ؛ فإذا هما قد خسرا وليس معهما ربح فقد عزما على الافتراق ، وأنا أقول : شركة لا ربح فيها يجوز أن يقع بين الشريكين افتراق . ثم أخبر عن مغفرته مع أهل رحمته بقوله تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] إلى قوله : { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } [ الأنفال : 40 ] الإشارة : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } من الأرواح والقلوب بأن ستروا النور الروحاني بظلمات الصفات النفسانية الحيوانية السبعية في اتباع الهوى واتباع الدين بالدنيا ، { إِن يَنتَهُواْ } عن اتباع الهوى ومطاوعة النفس ومخالفة الشرع ، { يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } أي : تستر تلك الظلمات بنور المغفرة وهو النور الرباني الذي يمحو بالظلمات الإنسانية ، { وَإِنْ يَعُودُواْ } [ الأنفال : 38 ] لمتابعة الهوى ومخالفة الشرع ، { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 38 ] من الأنبياء والأولياء في أن اتبعوا الهوى يضلهم عن سبيل المولى ، كما قال تعالى لداود عليه السلام : { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] . { وَقَاتِلُوهُمْ } [ الأنفال : 39 ] يعني : قاتلوا كفار النفوس والهوى بسيف الصدق تحت راية الشريعة في جهاد الطريقة ، { حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ } [ الأنفال : 39 ] النفس والهوى عند الاستيلاء وغلبات صفاتها ، { فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 39 ] آفة مانعة لكم عن الوصول إلى عالم الحقيقة ، { وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } [ الأنفال : 39 ] ببذل الوجود وفقد الوجود لنيل الجود ، { فَإِنِ ٱنْتَهَوْاْ } [ الأنفال : 39 ] النفوس عن معاملاتها ، وتبدلت عن أوصافها ، وطاوعت القلوب والأرواح ، وصارت مأمورة مطمئنة تحت الأحكام ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ الأنفال : 39 ] في عبوديته وصدق طلبه ، { بَصِيرٌ } [ الأنفال : 39 ] لا يخفى عليه نقير ولا قطمير فيجازيهم على قدر مساعيهم . { وَإِن تَوَلَّوْاْ } [ الأنفال : 40 ] أي : أعرضوا النفوس عن الحقوق ، وأقبلوا إلى الشهوات والحظوظ ، { فَٱعْلَمُوۤاْ } [ الأنفال : 40 ] أيها القلوب والأرواح ، { أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } [ الأنفال : 40 ] في الهداية وناصركم على قهر النفوس وقمع الهوى ، { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } [ الأنفال : 40 ] هو مولاكم لتهتدوا به ، { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } [ الأنفال : 40 ] في دفع ما يقطعكم عنه ، وناصركم في الوصول إليه .