Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-64)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن التوسل والتوكل بقوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الأنفال : 61 ] إلى قوله : { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 64 ] الإشارة فيه : { وَإِن جَنَحُواْ } أي : النفس وصفاتها لتسلم بينها وبين القلب والروح { فَٱجْنَحْ لَهَا } وذلك أن النفس لما رأت صدق الطالب الصادق في الصدق وشاهدت جده في الاجتهاد ، وتحقق عندها ثباتها على مخالفتها ، ومواظبته في العبودية ، وتألفت مع الطاعات والعبادات ، فتنور بأنوارها وتنقاد لأحكام الشريعة ، وتزكى بتزكية الطريقة ، وتتنسم روائح الحقيقة ، وتطمئن إلى ذكر الله تعالى ، فحينئذ يجوز مصالحتها على القيام بأداء الأوامر والنواهي والفرائض والسنن وترك الدنيا وزينتها وشهواتها على تبديل الصفات النفسانية الحيوانية بالأخلاق الروحانية الربانية ، وألاَّ يحمل عليها إصراً من دوام المجاهدة والرياضة البدنية ولكن مع هذا لا يعتمد على النفس وصلحها ، بل يكون الطالب متيقظاً محتاجاً متوكلاً على الله تعالى في مراقبتها ؛ لئلا تخدعه وتمكر به ، ولهذا قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي : ثق بلطفه وكرمه ولا تثق بالنفس وخديعتها ومكرها ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [ الأنفال : 61 ] لما دعوته إليه في رعايتك من خداع النفس ومكرها ، { ٱلْعَلِيمُ } [ الأنفال : 61 ] بمكائدها ، ومنعها منها ، { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ } [ الأنفال : 62 ] يعني : النفس والشيطان والدنيا . { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 62 ] أي : وأيدك بالروح والقلب وسر المؤمنين وألَّف بين الروح والقلب والسر والمؤمنين ، { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [ الأنفال : 63 ] يعني : ألَّف بين الروح والقلب والسر وبين النفس وصفاتها ، { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ الأنفال : 63 ] يعني : في أرض وجودك من السعي والجد والاجتهاد ، { مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [ الأنفال : 63 ] أي : بينهم لما فيهم من التضاد الروحاني والنفساني الظلماني ، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [ الأنفال : 63 ] بالقدرة الكاملة والحكمة البالغة ، { إِنَّهُ عَزِيزٌ } [ الأنفال : 63 ] لعزته ألَّفَ بين الروح والنفس والقلب والقالب ؛ ليكون الشخص الإنساني طلسماً على كنز وجوده ، { حَكِيمٌ } [ الأنفال : 63 ] فيما حكم ووتر بكسر الطلسم والوصول إلى كنز ، { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } [ الأنفال : 64 ] مطلوباً ومقصوداً ومعبوداً ومحبوباً ، { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 64 ] أي : لمتابعيك المخصوصين بالاتباع الحقيقي بأن يكون مطلوبهم ومحبوبهم الله سبحانه وتعالى .