Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 105-110)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن ظهور الأحوال بصدور الأعمال بقوله تعالى : { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } [ التوبة : 105 ] يشير إلى أن عمل المحسن يخلص إلى السماوات بقدر قوة صدقه وإخلاصه ، فالله تعالى يراه بنور ألوهيته ، وروح الرسول صلى الله عليه وسلم يراه بنور نبوته ، وأرواح المؤمنين بنور إيمانهم ، فاستعلاء ذلك النور وصفاؤه وضوؤه يكون على قدر علو همة المحسن وخلوص نيته وصفاء طويته ، وإن لعمل المسيء ظلمة تصعد إلى السماوات بقدر قوة عقليته وخباثة نفسه ، فإنه تعالى يراها وروح رسوله وأرواح المؤمنين ، { وَسَتُرَدُّونَ } [ التوبة : 105 ] بأقدام أعمالكم . { إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [ التوبة : 105 ] أي : إلى الله الذي هو عالم بما غاب عنكم وغبتم عنه ، فأمَّا ما غاب عنكم فهو نتائج أعمالكم من الخير والشر وجزاؤها فإنها إن لم تغب عنكم زدتم في الخير وما عملتم شراً ، وأمَّا ما غبتم عنه فهو تقدير الأزل والحكمة فيما جرى به القلم من أعمال الخير والشر وعالم بما تشاهدون بالعيون والقلوب في الملك والملكوت ، { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ التوبة : 105 ] فيجزيكم بمكافآت أعمالكم نتائج الخير والشر الذي قد غاب عنكم حين مباشرة أعمالكم الخير بالخير والشر بالشر فتعلمون ما كنتم تعملون . ثم أخبر عن الموقوفين لقضائه وقدره لقوله تعالى : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 106 ] يشير إلى الحكمة الأزلية التي اقتضت إقدام بعض النفوس على الذنوب وتأخير توبتهم وهم مترددون بين الخوف والرجاء ، { إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 106 ] ولهم فيما بين ذلك تربية ؛ ليطيروا بجناحي الخوف والرجاء إلى أن يصلوا إلى مقام الفيض والبسط إلى أن يبلغوا سرادقات الأنس والهيبة ، ثم ليطيروا بجناحي الأنس والهيبة إلى قاب قوسين الستر والتجلي والوحدة ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [ التوبة : 106 ] بتربية عباده ، { حَكِيمٌ } [ التوبة : 106 ] بمن يصلح للقرب والقبول ومن يصلح للبعد . ثم أخبر عن إرادة أهل النفاق بأعمال أهل الوفاق بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً } [ التوبة : 107 ] إلى قوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : 110 ] يشير به إلى أهل الطبيعة اتخذوا مزبلة النفس مسجداً ضراراً لأرباب الحقيقة وكفروا بأحوالهم ، كما أنهم اتخذوا بستان القلب مسجداً يذكرون الله فيه ويطلبونه ، وهذا وصف مدعي الطلب الكذابين في دعواهم المتشبهين بزي أرباب الصدق والطلب ، { وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 107 ] الطالبين الصادقين بإظهار الدعوى من غير المعنى أن يفرقوا بين الأحوال في الله ، وفي طلبه بأنواع الحيل تارة بطلب صحته معهم ومرافقتهم في الأسفل ، وتارة بذكر البلدان وكثرة النعم فيها وطيب هوائها وكرم أهلها وإرادتهم بهذه الطائفة ؛ ليزجوهم عن خدمة المشايخ ومحبة الإخوان . { وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } [ التوبة : 107 ] ليوفقهم في بلاء صحبة الإباحية من مدَّعي الفقر والمعرفة وهم يحاربون الله بترك دينه وشريعته وإحياء سنته ، { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } [ التوبة : 107 ] فيما دعوناكم إليه ، { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ التوبة : 107 ] فيما يدعون ويحلفون ، { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } [ التوبة : 108 ] يخاطب رسول الهداية والعناية لا تقم في مزبلة النفس ، وإن اتخذت مسجداً مشابهاً لمساجد القلوب . { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ } [ التوبة : 108 ] أي : مسجد القلب أسس على العبودية والطاعة والإقرار بالوحدانية ، { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } [ التوبة : 108 ] الميثاق عند خطاب { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] وجواب : { قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] ، { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } [ التوبة : 108 ] يا رسول الهداية والعناية ؛ لأن { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } [ التوبة : 108 ] وهم الأوصاف الحميدة والأخلاق الكريمة من القلب دأبهم التطهير عن الصفات الذميمة والأخلاق اللئيمة ؛ بل عن دنس الوجود ولوث الحدوث ، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } [ التوبة : 108 ] الفانين عن وجودهم الباقين بالله ، ولولا محبته إياهم ما وفقهم بالتطهير . { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } [ التوبة : 109 ] أي : جبل وقت الفطرة بتقدير الأزل ، { عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ } [ التوبة : 109 ] أي التوحيد والمعرفة ، { وَرِضْوَانٍ } [ التوبة : 109 ] أي : خلق لطلب رضا الله ونيل الرضا من الله كقوله تعالى : { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ التوبة : 100 ] ، { خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } [ التوبة : 109 ] أي : جبل حال الفطرة والتقدير ، { عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } [ التوبة : 109 ] أي : على شفا مهلكة فاسقة ، { فَٱنْهَارَ بِهِ } [ التوبة : 109 ] وخسف بهم ، { فِي نَارِ جَهَنَّمَ } [ التوبة : 109 ] البعد عن الله . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ التوبة : 109 ] ما داموا على ظلمهم وهو وضع عبادة الدنيا ومحبتها والحرص في طلبها ، وموضع عبادة الله ومحبته والصدق في طلبه ، فإذا غيروا ما بأنفهسم من طلب الدنيا وشهواتها يغير الله ما بهم من الكفر والطغيان والخذلان ، { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً } [ التوبة : 110 ] عند الفطرة على الشقاوة بنيت شكّاً ونفاقاً وخذلاناً ، { فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } [ التوبة : 110 ] ويخرب الله فيها بنيان الشقاوة بنور الهداية من يشاء من عباده ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [ التوبة : 110 ] بمن يشاء به السعادة ، { حَكِيمٌ } [ التوبة : 110 ] بمن أراد به الشقاوة وحكم بها في الأزل .