Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 128-129)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن نعمة بعثة النبي وإعراضهم عن القبول بقوله تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ } [ التوبة : 128 ] أي : من الله ، { رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] في البشرية ، وهذا تسكين العوام لئلا ينفروا عنه ويمتنعون عن متابعته ويقولوا : لا طاقة لنا بمتابعته ؛ لأنه ليس من جنسنا في البشرية ، نظيره قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ الكهف : 110 ] وفيه إشارة الخواص ؛ إذ يقولون : إن أحداً من جنس البشرية أوصل إلى هذه المراتب العلية والمقامات السنية بالاستقلال ، فيحتمل أن يصل في متابعته إليها كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] ومقام المحبوبية من أشرف المقامات وأعلاها ، فلما تحصل بالمتابعة فأدناها أولى بالحصول ، وأما بقراءة من قرأ أنفسكم - بفتح الفاء - فيشير به إلى نفاسة جوهرة في أصل الخلقة ؛ لأنه أول جوهراً يدعه الله تعالى كما قال : " أول ما خلق الله روحي " . وأيضاً يشير به إلى نفاسة جوهره في الخلاص عن تعلق الكونين وبلوغه إلى قاب قوسين وعروجه إلى مقام أو أدنى وعلو همته ؛ { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 16 - 17 ] واختصاصه برؤية القدر ؛ أي : من آيات ربه الكبرى وتحليته بحليته ، { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ، { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [ التوبة : 128 ] أي : يشق عليه انقطاعكم عن الله تعالى : { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } [ التوبة : 128 ] في إيصالكم إلى الله تعالى وإنزالكم { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] ، { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] لتربيتهم في الدين المتين بالرفق ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " هذا الدين متين فأوغلوا فيه بالرفق وبالرحمة يعفو عنهم سيئاتهم " ، كما أمره الله تعالى { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } [ المائدة : 13 ] . وفي قوله : { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] في حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي قوله تعالى لنفسه عز وجل : { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ الحج : 65 ] ، وفيه لطيفة شريفة وهي : أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا كان مخلوقاً كانت رأفته ورحمته مخلوقة فصارت مخصوصة بالمؤمنين لضعف الخلقة ، وأن الله تعالى لمَّا كان خالقاً كانت رأفته ورحمته قديمة ، فكانت عامة للناس لقوة الخالقية من الناس كان قابلاً للرأفة والرحمة النبوية ؛ لأنها كانت من نتائج الرأفة والرحمة الخالقية ، كما قال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [ آل عمران : 159 ] . { فَإِن تَوَلَّوْاْ } [ التوبة : 129 ] أي : اعرضوا عن قبول نصحك ورأفتك ورحمتك ولم يسعوك في طلب الحق ، { فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } [ التوبة : 129 ] . يشير إلى أن تبليغ الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم كان موجباً لقربته إلى الله تعالى وقبوله ، فلمَّا بلغ رسالته فقد تم مقصوده من الله تعالى وقربته إن قبلوا منه أو اعرضوا عنه { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ التوبة : 129 ] أي : لا مقصود ولا مطلوب في جميع الأحوال ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [ التوبة : 129 ] أي : هو العظيم الذي يحتاج العرش مع عظمته إلى ربوبيته مع اختصاص العرش باستواء صفة رحمانيته عليه - واللهُ أعلم - إن قبلوا منه أو أعرضوا عنه ، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ التوبة : 129 ] أي : المقصود ولا مطلوب ولا محبوب ولا معبود لي فيما عملت إلا الله ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } [ التوبة : 129 ] أي : هو كان مقصودي ومطلوبي في جميع الأحوال ، { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [ التوبة : 129 ] أي : هو العظيم الذي يحتاج العرش مع عظمته إلى ربوبيته مع اختصاص العرش باستواء صفة رحمانيته عليه .