Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-13)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا ساكن القالب الظلماني وطالب النور الروحاني ، إن الله تعالى يقسم باللطيفة الجلالية المظهر بها ليل القالب ، المظلمة بها نهار الروح لكمال قدرته وإظهار حكمته حيث يقول : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [ الليل : 1 ] وابتدأ بالليل في هذا المقام لأن ابتداء خلقك في عالم الشهادة تخمير طينة قالبك ، وقيده بقوله : { إِذَا يَغْشَىٰ } ؛ لأن ظلمة ليل القالب في البداية تغشى جميع الأسرار التي كانت في طي الطينة مستودعة ، { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 2 ] ؛ يعني : بحق اللطيفة الجلالية التي أودعناها في النهار الروحاني تتنور بها ظلمة القلب ، ويطلع السالك على الودائع المسكنة في قالبه وقت التخمير ؛ وهي الأمانة التي أشار إليها حيث قال : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } [ الأحزاب : 72 ] . { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ الليل : 3 ] ؛ أي : بحق من خلق اللطائف الفاعلية والقالبية التي أودعناها في روحك وشخصك ، { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 4 ] ؛ لتفاوت الاستعدادات التي تتعلق بالفاعلية القالبية مما جعلناه فيك ، { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } [ الليل : 5 ] جهده في طاعة الله وماله من القوى والاستعدادات للحق ، { وَٱتَّقَىٰ } [ الليل : 5 ] عن الباطل { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [ الليل : 6 ] ؛ أي : صدق ربه فيما أوحى على لسان سر نبيه إليه بوجود الجنة التي هي الثمرة ، التي حصلت من الشجرة الطيبة الإنسانية بذرها الكلمة الروحانية { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } [ الليل : 7 ] ؛ أي : نيسره بالحقائق المودعة في اللطائف لعمل يوصله إلى يسر الأبد ويسار السرمد { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } [ الليل : 8 ] من القوى الحقانية التي أعطيناها له ، واستغنى وجعل نفسه مستغنياً عن الأعمال بالقوى التي أعطيناها ليكتسب بها السعادات السرمدية { وَكَذَّبَ } [ الليل : 9 ] الله ونبيه { بِٱلْحُسْنَىٰ } [ الليل : 9 ] التي هي الباقية للعمى الحاصل له من خيار الهوى الصارف إياه عن المولى . { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } [ الليل : 10 ] ؛ أي : نيسره بتلك القوى ليبطل بها حقوقها في طلب حظوظه العاجلة ، ويعسر عليه الاشتغال بما ينفعه في الآخرة بتوجهه إلى حظ نفسه وبطلان استعداده وقواه في استعمالها في غير حقه { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [ الليل : 11 ] ؛ أي : بطل استعداده وأخذ منه الآلة وأدواته وأهوي في هاوية هواه ما يغني عنه قواهم { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [ الليل : 12 ] ؛ أي : نودع فيك اللطائف ونبين على لسان بشريتك ما كان فيه هداك { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } [ الليل : 13 ] فمن طلبها من غيرنا فقد أخطأ الطريقان أولاك اشتغالك بحظوظك العاجلة النفسانية الهووية الشهوية وأُخراك توجهك إلى الحقائق الباقية المودعة فيك أولاك وأُخراك ، ولا يتخرج عنك ولا يطلب من غيرك ؛ لأن الحق معك كما يقول تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [ الحديد : 4 ] لئلا تغلط وتضل وتزل عن الصراط المستقيم وتهوي إلى الجحيم .