Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يا ساكن البلد الأمين ، وآكل ثمرة اليقين من شجرة التين ، اعلم أن الله أقسم بالتين وهو الثمرة اليقينية الذاتية الوجودية اللاهوتية ، وبالزيتون وهو الثمرة العينية الصفاتية الجبروتية ، وبطور سينين بفله الملكوتي الذي هو جبل مضى صفاؤه وسناؤه من سناء سبحات الجلال عليه بترتيب أمر النطق ؛ وهو جبل ختم الله طينه بيدي لطفه وقهره في أربعين درجة ، لاهوتية وجبروتية وملكوتية وناسوتية عشراً عشراً في صباح حاجز بين ظلمة العالم الجسماني وضياء العالم الروحاني ، وبه يتم تدبير الأمر وهو المقصود من تجلي الذات وإبراز الصفات وإصدار الأفعال وإظهار الآثار ؛ لأن الله تعالى أدرج { كُنْ } [ آل عمران : 47 ] كون ذلك الجبل جوهر اللطيفة العارفة المعرفة الشاهدة المشهودة للمرآتية ، وهو القلب . { ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } [ التين : 3 ] ؛ أي : المأمون من دخول الشيطان فيه ، بيت الله الحرام الذي قال في كتابه : { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [ آل عمران : 97 ] من عذاب الفرقة ، والدخول في هذا البيت الحرام على النفس الملوثة بمحبة الدنيا الملطخة بمشتهياتها واتباعها على وفق الهوى المكدرة باشتغال بما سوى الحق تعالى ، والحق يقسم بذاته وصفاته وأفعاله وآثاره في كلامه بقوله تعالى : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 1 - 4 ] ؛ يعني : جمعنا فيه الحقائق اللاهوتية ، والدقائق الجبروتية ، والرقائق الملكوتية ، والشقائق الناسوتية . { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 5 ] ؛ يعني : رددناه إلى أسفل سافلين الطبيعة للابتداء ، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ التين : 6 ] لأجل هذا الترديد ؛ لأنهم صدقوا اللطيفة الخفية ، وآمنوا بالحق واستعملوا قواهم في الأعمال الصالحات ، فلهم أجر على هذه الأعمال التي عملوا لله { غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ التين : 6 ] ؛ أي : غير مقطوع أبد الآباد ، وكان ردنا إياهم وقت التدبير إلى { أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 5 ] الطبيعة ليكتسبوا القوى الصالحة ، وتعرج إلى ربها مع حصول المعارف على سبيل التفضيل ، ويجتازوا عن درجة الروحانيين ، ويكونوا مرآة لوجه الله تعالى الملك الكريم من كمال عنايتنا بهم واصطفائنا بالمرآتية من بين المخلوقات . { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } [ التين : 7 ] ؛ يعني : فما يكذبك الشيطان بعد هذا التقدير ، وكشف سر التدبير وحكمة العروج إلى الرب القدير { بِٱلدِّينِ } [ التين : 7 ] الذي هو فطرتك الخفية ، أتظن أن الله خلقكم عبثاً ؟ ! أتحسب أن الله تعالى جمع فيك المفردات وركبك من لطائف المفردات العلوية والسفلية بالهزل ؟ ! وإنك لا ترجع إليه { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [ التين : 8 ] ؟ ! يعني أن الحكم الحقيقي للحاكم القادر لا يفعل فعلاً عبثاً ، ولا يخلق شيئاً باطلاً فخلقه لك { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] ، ثم رده إياك إلى { أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 5 ] [ لم ] يكن من غير حكمة ، ولا يكون بعد هذا الرد رجوعك إليه ، ولا ينفي منك لطيفة باقية تتنعم وتتألم بعد خراب البدن ، فكل نفس تكون مطمئنة تؤمن وتقول : بلى وأنا من الشاهدين على أنك أحكم الحاكمين ، ولا يمكن أن يصدر منك فعل غير حق وعمل غير متقن ، خلقتنا لمظهرية صفات لطفك وقهرك ، وأودعت فينا لطيفة مستحقة ؛ لتكون مرآة لذاتك ، فطوبى لمن آمن بحقيتك وعمل عملاً صالحاً على مرآة وجوده بتصقيلها وإقامتها محاذاة الوجه بعد إخراج الحديد من الجبل ، وبناء البلد الأمين الذي فيه مسكن المعمّلة ، وغرس الأشجار المثمرة ؛ ليضيء بضياء نور مروج في دهن الزيت { ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } [ التين : 3 ] ، فيطلع في بستانه على ثمرة المعرفة الذاتية ويجتنيها ويأكلها ويصل إلى لطيفة ذوقها ، اللهم أذقنا معرفتك الذاتية بمحمد صلى الله عليه وسلم .