Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-7)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بِسمِ ٱلله } أي : أبتدئ بكل اسم لله تعالى ، لأن لفظ " اسم " مفرد مضاف ، فيعمُّ جميع الأسماء [ الحسنى ] ، { ٱلله } هو المألوه المعبود ، المستحق لإفراده بالعبادة لما اتصف به من صفات الألوهية ، وهي صفات الكمال ، { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } : اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء ، وعمت كل حي ، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله ، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة ، ومن عداهم فلهم نصيب منها . واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها ، الإيمان بأسماء الله وصفاته ، وأحكام الصفات ، فيؤمنون مثلاً بأنه رحمن رحيم ، ذو الرحمة التي اتصف بها ، المتعلقة بالمرحوم . فالنعم كلها ، أثر من آثار رحمته ، وهكذا في سائر الأسماء . يقال في العليم : إنه عليم ذو علم يعلم [ به ] كل شيء ، قدير ذو قدرة يقدر على كل شيء . { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } : [ هو ] الثناء على الله بصفات الكمال ، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل ، فله الحمد الكامل ، بجميع الوجوه . { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الرَّب ، هو المربي جميع العالمين - وهم مَن سوى الله - بخلقه لهم ، وإعداده لهم الآلات ، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة ، التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء ، فما بهم من نعمة فمنه تعالى . وتربيته تعالى لخلقه نوعان : عامة وخاصة . فالعامة : هي خلقه للمخلوقين ، ورزقهم ، وهدايتهم لما فيه مصالحهم ، التي فيها بقاؤهم في الدنيا . والخاصة : تربيته لأوليائه ، فيربيهم بالإيمان ، ويوفقهم له ، ويكمله لهم ، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه ، وحقيقتها : تربية التوفيق لكل خير ، والعصمة عن كل شر ، ولعل هذا [ المعنى ] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب ، فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة . فدلَّ قوله { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } على انفراده بالخلق والتدبير والنعم ، وكمال غناه ، وتمام فقر العالمين إليه ، بكل وجه واعتبار . { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } المالك : هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى ، ويثيب ويعاقب ، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات ، وأضاف الملك ليوم الدين ، وهو يوم القيامة ، يوم يُدَان الناس فيه بأعمالهم خيرها وشرها ، لأن في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمالُ ملكه وعدله وحكمته ، وانقطاع أملاك الخلائق . حتى [ إنه ] يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأحرار ، كلهم مذعنون لعظمته ، خاضعون لعزته ، منتظرون لمجازاته ، راجون ثوابه ، خائفون من عقابه ، فلذلك خصَّه بالذكر ، وإلا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام . وقوله { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } أي : نخصُّك وحدك بالعبادة والاستعانة ، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر ، وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ، فكأنه يقول : نعبدك ، ولا نعبد غيرك ، ونستعين بك ، ولا نستعين بغيرك . وقدّم العبادة على الاستعانة ، من باب تقديم العام على الخاص ، واهتماماً بتقديم حقه تعالى على حق عبده ، و " العبادة " اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، و " الاستعانة " : هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار ، مع الثقة به في تحصيل ذلك . والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية ، والنجاة من جميع الشرور ، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما ، وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله ، فبهذين الأمرين تكون عبادة ، وذكر " الاستعانة " بعد " العبادة " مع دخولها فيها ، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى ، فإنه إن لم يعنه الله ، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر ، واجتناب النواهي . ثم قال تعالى : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي : دُلَّنا وأَرشِدْنا ووفقنا للصراط المستقيم ، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته ، وهو معرفة الحق والعمل به ، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط ، فالهداية إلى الصراط : لزوم دين الإسلام ، وترك ما سواه من الأديان ، والهداية في الصراط ، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علماً وعملاً . فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته ، لضرورته إلى ذلك . وهذا الصراط المستقيم هو : { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، { غَيْرِ } صراط { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم ، وغير صراط { ٱلضَّآلِّينَ } الذين تركوا الحق على جهل وضلال ، كالنصارى ونحوهم . فهذه السورة على إيجازها ، قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن ، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية يؤخذ من قوله : { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة ، يؤخذ من لفظ : { ٱلله } ومن قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } وتوحيد الأسماء والصفات ، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى ، التي أثبتها لنفسه ، وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه ، وقد دلَّ على ذلك لفظ { ٱلْحَمْدُ } كما تقدم . وتضمنت إثبات النبوة في قوله : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة : وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } ، وأنَّ الجزاء يكون بالعدل ، لأن الدين معناه الجزاء بالعدل . وتضمنت إثبات القدر ، وأن العبد فاعل حقيقة ، خلافاً للقدرية والجبرية . بل تضمنت الردَّ على جميع أهل البدع [ والضلال ] في قوله : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } لأنه معرفة الحق والعمل به ، وكل مبتدع [ وضال ] فهو مخالف لذلك . وتضمنت إخلاص الدِّين لله تعالى ، عبادةً واستعانةً في قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فالحمد لله رب العالمين .