Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 15-17)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى تعنت المكذبين لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق ، أعرضوا عنها ، وطلبوا وجوه التعنت فقالوا ، جراءة منهم وظلماً : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } فقبحهم الله ، ما أجرأهم على الله ، وأشدهم ظلماً ورداً لآياته . فإذا كان الرسول العظيم يأمره الله أن يقول لهم : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ } أي : ما ينبغي ولا يليق { أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } فإني رسول محض ، ليس لي من الأمر شيء ، { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } أي : ليس لي غير ذلك ، فإني عبد مأمور ، { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فهذا قول خير الخلق وأدبه مع أوامر ربه ووحيه ، فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين ، الذين جمعوا بين الجهل والضلال ، والظلم والعناد ، والتعنت والتعجيز لرب العالمين ، أفلا يخافون عذاب يوم عظيم ؟ ! ! . فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كَذَبَةٌ في ذلك ، فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، وهو الذي يصرفها كيف يشاء ، تابعاً لحكمته الربانية ورحمته بعباده . { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً } طويلاً { مِّن قَبْلِهِ } أي : قبل تلاوته ، وقبل درايتكم به ، وأنا ما خطر على بالي ، ولا وقع في ظني . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أني حيث لم أتقوله في مدة عمري ، ولا صدر مني ما يدل على ذلك ، فكيف أتَقَوَّلَهُ بعد ذلك ، وقد لبثت فيكم عمراً طويلاً تعرفون حقيقة حالي ، بأني أمي لا أقرأ ولا أكتب ، ولا أدرس ولا أتعلم من أحد ؟ ! ! فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء ، وأعيا العلماء ، فهل يمكن - مع هذا - أن يكون من تلقاء نفسي ، أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد ؟ فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم ، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب ، لجزمتم جزماً لا يقبل الريب بصدقه ، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال ، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد ، فأنتم لا شك أنكم ظالمون . { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ } ؟ ! ! فلو كنت متقولاً لكنت أظلم الناس ، وفاتني الفلاح ، ولم تخف عليكم حالي ، ولكني جئتكم بآيات الله ، فكذبتم بها ، فتعين فيكم الظلم ، ولا بد أن أمركم سيضمحل ، ولن تنالوا الفلاح ، ما دمتم كذلك . ودل قوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } الآية ، أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله وعدم رجائه ، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به ، لأنه حسن القصد .