Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-73)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لنبيه : واتل على قومك { نَبَأَ نُوحٍ } في دعوته لقومه ، حين دعاهم إلى الله مدة طويلة ، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغياناً ، فتمللوا منه وسئموا ، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل ، ولا متوان في دعوتهم ، فقال لهم : { يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي : إن كان مقامي عندكم وتذكيري إياكم ما ينفعكم { بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الأدلة الواضحة البينة ، قد شق عليكم وعظم لديكم ، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق . { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } أي : اعتمدت على الله في دفع كل شر يراد بي ، وبما أدعو إليه ، فهذا جندي وعُدّتي . وأنتم ، فأتوا بما قدرتم عليه ، من أنواع العَدَدَ والعُددَ . { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ } كلكم ، بحيث لا يتخلف منكم أحد ، ولا تدخروا من مجهودكم شيئاً . { وَ } أحضروا { شُرَكَآءَكُمْ } الذي كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين . { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } أي : مشتبهاً خفياً ، بل ليكن ذلك ظاهراً علانية . { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } أي : اقضوا عليَّ بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم ، { وَلاَ تُنظِرُونَ } أي : لا تمهلونِ ساعة من نهار . فهذا برهان قاطع ، وآية عظيمة على صحة رسالته ، وصدق ما جاء به ، حيث كان وحده لا عشيرة تحميه ، ولا جنود تؤويه . وقد بادأ قومه بتسفيه آرائهم وفساد دينهم وعيب آلهتهم . وقد حملوا من بغضه وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي ، وهم أهل القدرة والسطوة ، وهو يقول لهم : اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم ، وأبدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد ، فأوقعوا بي إن قدرتم على ذلك ، فلم يقدروا على شيء من ذلك . فعلم أنه الصادق حقاً ، وهم الكاذبون فيما يدَّعون ، ولهذا قال : { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } عن ما دعوتكم إليه ، فلا موجب لتوليكم ، لأنه تبين أنكم لا تولون عن باطل إلى حق ، وإنما تولون عن حق قامت الأدلة على صحته ، إلى باطل قامت الأدلة على فساده . ومع هذا { فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ } على دعوتي وعلى إجابتكم ، فتقولوا : هذا جاءنا ليأخذ أموالنا ، فتمتنعون لأجل ذلك . { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } أي : لا أريد الثواب والجزاء إلا منه ، { وَ } أيضاً فإني ما أمرتكم بأمر وأخالفكم إلى ضده ، بل { أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } فأنا أول داخل ، وأول فاعل لما أمرتكم به . { فَكَذَّبُوهُ } بعد ما دعاهم ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً ، { فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ } الذي أمرناه أن يصنعه بأعيننا ، وقلنا له إذا فار التنور : فـ { ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ } [ هود : 40 ] ففعل ذلك . فأمر الله السماء أن تمطر بماء منهمر وفجر الأرض عيوناً ، فالتقى الماء على أمر قد قدر : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } [ القمر : 13 ] تجري بأعيننا ، { وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ } في الأرض بعد إهلاك المكذبين . ثم بارك الله في ذريته ، وجعل ذريته هم الباقين ، ونشرهم في أقطار الأرض ، { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } بعد ذلك البيان ، وإقامة البرهان ، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } وهو : الهلاك المخزي ، واللعنة المتتابعة عليهم في كل قرن يأتي بعدهم ، لا تسمع فيهم إلا لوماً ، ولا ترى إلا قدحاً وذماً . فليحذر هؤلاء المكذبون ، أن يحل بهم ما حل بأولئك الأقوام المكذبين من الهلاك والخزي والنكال .