Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 94-95)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } هل هو صحيح أم غير صحيح ؟ . { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } أي : اسأل أهل الكتب المنصفين ، والعلماء الراسخين ، فإنهم سيقرون لك بصدق ما أخبرت به ، وموافقته لما معهم ، فإن قيل : إن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، بل ربما كان أكثرهم ومعظمهم كذبوا رسول الله وعاندوه ، وردوا عليه دعوته . والله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بهم ، وجعل شهادتهم حجة لما جاء به ، وبرهاناً على صدقه ، فكيف يكون ذلك ؟ فالجواب عن هذا من عدة أوجه : منها : أن الشهادة إذا أضيفت إلى طائفة ، أو أهل مذهب ، أو بلد ونحوهم ، فإنها إنما تتناول العدول الصادقين منهم . وأما من عداهم ، فلو كانوا أكثر من غيرهم فلا عبرة فيهم ، لأن الشهادة مبنية على العدالة والصدق ، وقد حصل ذلك بإيمان كثير من أحبارهم الربانيين ، كـ " عبد الله بن سلام " [ وأصحابه وكثير ممن أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ومن بعده ] و " كعب الأحبار " وغيرهما . ومنها : أن شهادة أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبنية على كتابهم التوراة الذي ينتسبون إليه . فإذا كان موجوداً في التوراة ما يوافق القرآن ويصدقه ، ويشهد له بالصحة ، فلو اتفقوا من أولهم لآخرهم على إنكار ذلك لم يقدح بما جاء به الرسول . ومنها : أن الله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بأهل الكتاب على صحة ما جاءه ، وأظهر ذلك وأعلنه على رءوس الأشهاد . ومن المعلوم أن كثيراً منهم من أحرص الناس على إبطال دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فلو كان عندهم ما يرد ما ذكره الله ، لأبدوه وأظهروه وبينوه ، فلما لم يكن شيء من ذلك ، كان عدم رد المعادي ، وإقرار المستجيب من أدل الأدلة على صحة هذا القرآن وصدقه . ومنها : أنه ليس أكثر أهل الكتاب رد دعوة الرسول ، بل أكثرهم استجاب لها وانقاد طوعاً واختياراً ، فإن الرسول بعث وأكثر أهل الأرض المتدينين أهل كتاب . فلم يمكث دينه مدة غير كثيرة ، حتى انقاد للإسلام أكثر أهل الشام ، ومصر والعراق وما جاورها من البلدان التي هي مقر دين أهل الكتاب ، ولم يبق إلا أهل الرياسات الذين آثروا رياساتهم على الحق ، ومن تبعهم من العوام الجهلة ، ومن تدين بدينهم اسماً لا معنى ، كالإفرنج الذين حقيقة أمرهم أنهم دهرية منحلون عن جميع أديان الرسل ، وإنما انتسبوا للدين المسيحي ترويجاً لملكهم ، وتمويهاً لباطلهم ، كما يعرف ذلك من عرف أحوالهم البينة الظاهرة . وقوله : { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ } أي : الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه ولهذا قال : { مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } كقوله تعالى : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } [ الأعراف : 2 ] . { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } وحاصل هذا أن الله نهى عن شيئين : الشك في هذا القرآن والامتراء فيه . وأشد من ذلك التكذيب به ، وهو آيات الله البينات التي لا تقبل التكذيب بوجه ، ورتب على هذا الخسار ، وهو عدم الربح أصلاً ، وذلك بفوات الثواب في الدنيا والآخرة ، وحصول العقاب في الدنيا والآخرة ، والنهي عن الشيء أمر بضده ، فيكون أمراً بالتصديق التام بالقرآن ، وطمأنينة القلب إليه ، والإقبال عليه علماً وعملاً . فبذلك يكون العبد من الرابحين الذين أدركوا أجل المطالب ، وأفضل الرغائب وأتم المناقب ، وانتفى عنهم الخسار .