Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 43-49)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف من السجن ، أرى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة ، الذي تأويلها يتناول جميع الأمة ، ليكون تأويلها على يد يوسف ، فيظهر من فضله ، ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين ، ومن التقادير المناسبة أن الملك الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها ، لارتباط مصالحها به . وذلك أنه رأى رؤيا هالته ، فجمع لها علماء قومه وذوي الرأي : منهم وقال : { إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ } أي : سبع من البقرات { عِجَافٌ } وهذا من العجب ، أن السبع العجاف الهزيلات اللاتي سقطت قوتهن ، يأكلن السبع السمان التي كُنَّ نهاية في القوة . { وَ } رأيت { سَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ } يأكلهن سبع سنبلات { يَابِسَاتٍ } { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } لأن تعبير الجميع واحد ، وتأويله شيء واحد ، { إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } فتحيروا ، ولم يعرفوا لها وجهاً . و { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } أي : أحلام لا حاصل لها ، ولا لها تأويل . وهذا جزم منهم بما لا يعلمون ، وتعذر منهم ، [ بما ليس بعذر ] ثم قالوا : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } أي : لا نعبر إلا الرؤيا ، وأما الأحلام التي هي من الشيطان ، أو من حديث النفس ، فإنا لا نعبرها . فجمعوا بين الجهل والجزم ، بأنها أضغات أحلام ، والإعجاب بالنفس ، بحيث إنهم لم يقولوا : لا نعلم تأويلها ، وهذا من الأمور التي لا تنبغي لأهل الدين والحجا ، وهذا أيضاً من لطف الله بيوسف عليه السلام . فإنه لو عبرها ابتداء - قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم ، فيعجزوا عنها - لم يكن لها ذلك الموقع ، ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب ، وكان الملك مهتماً لها غاية ، فعبرها يوسف - وقعت عندهم موقعاً عظيماً ، وهذا نظير إظهار الله فضل آدم على الملائكة بالعلم ، بعد أن سألهم فلم يعلموا . ثم سأل آدم ، فعلمهم أسماء كل شيء ، فحصل بذلك زيادة فضله ، وكما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة ، أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم ، ثم بنوح ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى عليهم السلام ، فيعتذرون عنها ، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيقول : " أنا لها أنا لها " فيشفع في جميع الخلق ، وينال ذلك المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون . فسبحان من خفيت ألطافه ، ودقَّتْ في إيصاله البر والإحسان ، إلى خواص أصفيائه وأوليائه . { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا } أي : من الفتيين ، وهو : الذي رأى أنه يعصر خمراً ، وهو الذي أوصاه يوسف أن يذكره عند ربه { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : وتذكر يوسف ، وما جرى له في تعبيره لرؤياهما ، وما وصاه به ، وعلم أنه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة من السنين ، فقال : { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } إلى يوسف لأسأله عنها . فأرسلوه ، فجاء إليه ، ولم يعنفه يوسف على نسيانه ، بل استمع ما يسأله عنه ، وأجابه عن ذلك فقال : { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ } أي : كثير الصدق في أقواله وأفعاله ، { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } فإنهم متشوقون لتعبيرها ، وقد أهمتهم . فعبر يوسف ، السبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر ، بأنهن سبع سنين مخصبات ، والسبع البقرات العجاف ، والسبع السنبلات اليابسات ، بأنهن سنين مجدبات ، ولعل وجه ذلك - والله أعلم - أن الخصب والجدب لما كان الحرث مبنياً عليه ، وأنه إذا حصل الخصب قويت الزروع والحروث ، وحسن منظرها ، وكثرت غلالها ، والجدب بالعكس من ذلك . وكانت البقر هي التي تحرث عليها الأرض ، وتسقى عليها الحروث في الغالب ، والسنبلات هي أعظم الأقوات وأفضلها ، عبرها بذلك لوجود المناسبة ، فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والإشارة لما يفعلونه ، ويستعدون به من التدبير في سني الخصب ، إلى سني الجدب فقال : { تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } أي : متتابعات . { فَمَا حَصَدتُّمْ } من تلك الزروع { فَذَرُوهُ } أي : اتركوه { فِي سُنبُلِهِ } لأنه أبقى له وأبعد من الالتفات إليه { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } أي : دبروا أيضاً أكلكم في هذه السنين الخصبة ، وليكن قليلاً ، ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه . { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي : بعد تلك السنين السبع المخصبات ، { سَبْعٌ شِدَادٌ } أي : مجدبات جداً { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } أي : يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيراً ، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } أي : تمنعونه من التقديم لهن . { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي : بعد السبع الشداد { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } أي : فيه تكثر الأمطار والسيول ، وتكثر الغلات ، وتزيد على أقواتهم ، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم ، ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب ، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك ، لأنه فهم من التقدير بالسبع الشداد ، أن العام الذي يليها يزول به شدتها ، ومن المعلوم أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات ، إلا بعام مخصب جداً ، وإلا لما كان للتقدير فائدة ، فلما رجع الرسول إلى الملك والناس ، وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا ، عجبوا من ذلك ، وفرحوا بها أشد الفرح .