Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 4-6)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب ، ثم ذكر هذه القصة وبسطها ، وذكر ما جرى فيها ، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة ، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب ، فهو مستدرك على الله ، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص ، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحاً ، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير ، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير . فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصه ، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ينقل . فقوله تعالى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ } يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام : { يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة . وهكذا إذا أراد الله أمراً من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة ، توطئة له ، وتسهيلاً لأمره ، واستعداداً لما يرد على العبد من المشاق ، لطفاً بعبده ، وإحساناً إليه ، فأوَّلها يعقوب بأن الشمس : أمه ، والقمر : أبوه ، والكواكب : إخوته ، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له ، ويسجدون له إكراماً وإعظاماً ، وأن ذلك لا يكون إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له ، واصطفائه له ، وإتمام نعمته عليه بالعلم والعمل ، والتمكين في الأرض . وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب ، الذين سجدوا له وصاروا تبعاً له فيها ، ولهذا قال : { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي : يصطفيك ويختارك بما يمنُّ به عليك من الأوصاف الجليلة والمناقب الجميلة ، { وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي : من تعبير الرؤيا ، وبيان ما تؤول إليه الأحاديث الصادقة ، كالكتب السماوية ونحوها ، { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } في الدنيا والآخرة ، بأن يؤتيك في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، { كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } حيث أنعم الله عليهما ، بِنِعَم عظيمة واسعة ، دينية ، ودنيوية . { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : علمه محيط بالأشياء ، وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره ، فيعطي كلاً ما تقتضيه حكمته وحمده ، فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها . ولما بان تعبيرها ليوسف ، قال له أبوه : { يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } أي : حسداً من عند أنفسهم ، أن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم . { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } لا يفتر عنه ليلاً ولا نهاراً ، ولا سراً ولا جهاراً ، فالبعد عن الأسباب التي يتسلط بها على العبد أولى ، فامتثل يوسف أمر أبيه ، ولم يخبر إخوته بذلك ، بل كتمها عنهم .