Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-68)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : لما تولى يوسف عليه السلام خزائن الأرض ، دبرها أحسن تدبير ، فزرع في أرض مصر جميعها في السنين الخصبة زروعاً هائلة ، واتخذ لها المحلات الكبار ، وجبا من الأطعمة شيئاً كثيراً وحفظه ، وضبطه ضبطاً تاماً ، فلما دخلت السنون المجدبة ، وسرى الجدب حتى وصل إلى فلسطين ، التي يقيم فيها يعقوب وبنوه ، فأرسل يعقوب بنيه لأجل الميرة إلى مصر ، { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } أي : لم يعرفوه . { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } أي : كال لهم كما كان يكيل لغيرهم ، وكان من تدبيره الحسن أنه لا يكيل لكل واحد أكثر من حمل بعير ، وكان قد سألهم عن حالهم ، فأخبروه أن لهم أخاً عند أبيه ، وهو بنيامين . فـ { قَالَ } لهم : { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } ثم رغبهم في الإتيان به فقال : { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } في الضيافة والإكرام . ثم رهبهم بعدم الإتيان به ، فقال : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } وذلك لعلمه باضطرارهم إلى الإتيان إليه ، وأن ذلك يحملهم على الإتيان به . فـ { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } دلّ هذا على أن يعقوب عليه السلام كان مولعاً به لا يصبر عنه ، وكان يتسلى به بعد يوسف ، فلذلك احتاج إلى مراودة في بعثه معهم { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } لما أمرتنا به . { وَقَالَ } يوسف { لِفِتْيَانِهِ } الذين في خدمته : { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ } أي : الثمن الذي اشتروا به من الميرة . { فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ } أي : بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك في رحالهم ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لأجل التحرج من أخذها على ما قيل ، والظاهر أنه أراد أن يرغبهم في إحسانه إليهم بالكيل لهم كيلاً وافياً ، ثم إعادة بضاعتهم إليهم على وجه لا يحسون بها ، ولا يشعرون لما يأتي ، فإن الإحسان يوجب للإنسان تمام الوفاء للمحسن . { فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ } أي : إن لم ترسل معنا أخانا ، { فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ } أي : ليكون ذلك سبباً لكيلنا ، ثم التزموا له بحفظه ، فقالوا : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } من أن يعرض له ما يكره . { قَالَ } لهم يعقوب عليه السلام : { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ } أي : تقدم منكم التزام أكثر من هذا في حفظ يوسف ، ومع هذا لم تفوا بما عقدتم من التأكيد ، فلا أثق بالتزامكم وحفظكم ، وإنما أثق بالله تعالى . { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } أي : يعلم حالي ، وأرجو أن يرحمني ، فيحفظه ويرده عَلَيَّ ، وكأنه في هذا الكلام قد لان لإرساله معهم . ثم إنهم { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } هذا دليل على أنه قد كان معلوماً عندهم أن يوسف قد ردها عليهم بالقصد ، وأنه أراد أن يملكهم إياها ، فـ { قَالُواْ } لأبيهم - ترغيباً في إرسال أخيهم معهم - : { يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي } أي : أي شيء نطلب بعد هذا الإكرام الجميل ، حيث وفَّى لنا الكيل ، ورد علينا بضاعتنا على الوجه الحسن ، المتضمن للإخلاص ومكارم الأخلاق ؟ . { هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } أي : إذا ذهبنا بأخينا صار سبباً لكيله لنا ، فمرنا أهلنا ، وأتينا لهم ، بما هم مضطرون إليه من القوت ، { وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } بإرساله معنا ، فإنه يكيل لكل واحد حمل بعير ، { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } أي : سهل لا ينالك ضرر ، لأن المدة لا تطول ، والمصلحة قد تبينت . فـ { قَالَ } لهم يعقوب : { لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ } أي : عهداً ثقيلاً وتحلفون بالله { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } أي : إلا أن يأتيكم أمر لا قِبلَ لكم به ، ولا تقدرون دفعه ، { فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ } على ما قال وأراد { قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } أي : تكفينا شهادته علينا وحفظه وكفاءته . ثم لما أرسله معهم وصاهم إذا هم قدموا مصر ، أن { لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } وذلك أنه خاف عليهم العين ، لكثرتهم وبهاء منظرهم ، لكونهم أبناء رجل واحد ، وهذا سبب . { وَ } إلا فـ { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } فالمقدر لا بد أن يكون ، { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي : القضاء قضاؤه ، والأمر أمره ، فما قضاه وحكم به لا بد أن يقع ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي : اعتمدت على الله ، لا على ما وصيتكم به من السبب ، { وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } فإن بالتوكل يحصل كل مطلوب ، ويندفع كل مرهوب . { وَلَمَّا } ذهبوا و { دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ } ذلك الفعل { يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } وهو موجب الشفقة والمحبة للأولاد ، فحصل له في ذلك نوع طمأنينة ، وقضاء لما في خاطره . وليس هذا قصوراً في علمه ، فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين ، ولهذا قال عنه : { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ } أي : لصاحب علم عظيم { لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } أي : لتعليمنا إياه ، لا بحوله وقوته أدركه ، بل بفضل الله وتعليمه ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } عواقب الأمور ودقائق الأشياء وكذلك أهل العلم منهم ، يخفى عليهم من العلم وأحكامه ولوازمه شيء كثير .