Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 87-98)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مُمتَنًّاً على رسوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي } وهن - على الصحيح - السور السبع الطوال : " البقرة " و " آل عمران " و " النساء " و " المائدة " و " الأنعام " و " الأعراف " و " الأنفال " مع " التوبة " . أو أنها فاتحة الكتاب لأنها سبع آيات ، فيكون عطف " القرآن العظيم " على ذلك ، من باب عطف العام على الخاص ، لكثرة ما في المثاني من التوحيد ، وعلوم الغيب ، والأحكام الجليلة ، وتثنيتها فيها . وعلى القول بأن " الفاتحة " هي السبع المثاني معناها : أنها سبع آيات ، تثنى في كل ركعة ، وإذا كان الله قد أعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني ، كان قد أعطاه أفضل ما يتنافس فيه المتنافسون ، وأعظم ما فرح به المؤمنون ، { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] ولذلك قال بعده : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أي : لا تعجب إعجاباً يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون ، واغترَّ بها الجاهلون ، واسْتَغْن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم ، { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } فإنهم لا خير فيهم يُرْجَى ، ولا نفع يُرْتَقَب . فلك في المؤمنين عنهم أحسن البدل ، وأفضل العوض ، { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : ألِنْ لهم جانبك ، وحَسِّن لهم خلقك ، محبة وإكراماً وتودُّداً ، { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } أي : قم بما عليك من النذارة ، وأداء الرسالة ، والتبليغ للقريب والبعيد ، والعدو ، والصديق ، فإنك إذا فعلت ذلك ، فليس عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء . وقوله : { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } أي : كما أنزلنا العقوبة على المقتسمين على بطلان ما جئت به ، الساعين لصد الناس عن سبيل الله . { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } أي : أصنافاً وأعضاءً وأجزاءً ، يصرفونه بحسب ما يهوونه ، فمنهم من يقول : سحر ، ومنهم من يقول : كهانة ، ومنهم من يقول : مُفْتَرى ، إلى غير ذلك من أقوال الكفرة المكذبين به ، الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا الناس عن الهدى . { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي : جميع من قدح فيه وعابه ، وحرَّفه وبدله { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وفي هذا أعظم ترهيب وزجر لهم عن الإقامة على ما كانوا عليه . ثم أمر الله رسوله أن لا يبالي بهم ولا بغيرهم ، وأن يصدع بما أمر الله ، ويعلن بذلك لكل أحد ولا يُعَوْقَنَّهُ عن أمره عائق ولا تَصُدَّه أقوال المتهوكين ، { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي : لا تبال بهم ، واترك مشاتمتهم ومسابتهم ، مقبلاً على شأنك ، { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله ، أن لا يضره المستهزئون ، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة . وقد فعل تعالى ، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة . ثم ذكر وصفهم وأنهم كما يؤذونك يا رسول الله ، فإنهم أيضاً يؤذون الله ويجعلون معه { إِلـٰهاً آخَرَ } وهو ربهم وخالقهم ومدبرهم { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } غبَّ أفعالهم إذا وردوا القيامة ، { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } لك من التكذيب والاستهزاء . فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب ، والتعجيل لهم بما يستحقون ، ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم . فأنت يا محمد { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } أي : أكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة ، فإن ذلك يوسع الصدر ويشرحه ، ويعينك على أمورك .