Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 73-76)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم ، أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله ، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقاً من السماوات والأرض ، فلا ينزلون مطراً ولا رزقاً ، ولا ينبتون من نبات الأرض شيئاً ، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا يستطيعون لو أرادوا ، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به ، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون . فهذه صفة آلهتهم ، كيف جعلوها مع الله ، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات ، الذي له الملك كله ، والحمد كله ، والقوة كلها ؟ ! ! ولهذا قال : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم ، وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال ، فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه ، أحدهما عبد مملوك ، أي : رقيق لا يملك نفسه ، ولا يملك من المال والدنيا شيئاً ، والثاني حُرٌّ غَنِيٌّ قد رزقه الله منه رزقاً حسناً ، من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان ، فهو ينفق منه سراً وجهراً ، هل يستوي هذا وذاك ؟ ! لا يستويان مع أنهما مخلوقان ، غير محال استواؤهما . فإذا كانا لا يستويان ، فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ، ولا استطاعة ، بل هو فقير من جميع الوجوه ، بالرب الخالق المالك لجميع الممالك ، القادر على كل شيء ؟ ! ! ولهذا حمد نفسه ، واختص بالحمد بأنواعه ، فقال : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } فكأنه قيل : إذا كان الأمر كذلك فلم سوَّى المشركون آلهتهم بالله ؟ قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرؤوا على الشرك العظيم . والمثل الثاني مثل { رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } لا يسمع ولا ينطق و { لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } لا قليل ولا كثير { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ } أي : يخدمه مولاه ، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه ، فهو ناقص من كل وجه ، فهل يستوي هذا ومن كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، فأقواله عدل ، وأفعاله مستقيمة ، فكما أنهما لا يستويان ، فلا يستوي من عُبِدَ من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه ، فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئاً منها ، ولا يكون كفواً ونداً لمن لا يقول إلا الحق ، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه .