Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 73-77)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق ، فقال : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا } أي : قد كادوا لك أمراً لم يدركوه ، وتحيلوا لك ، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك ، فتجيء بما يوافق أهواءهم ، وتدع ما أنزل الله إليك . { وَإِذاً } لو فعلت ما يهوون { لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } أي : حبيباً صفياً ، أعز عليهم من أحبابهم ، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب ، المحببة للقريب والبعيد ، والصديق والعدو . ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة ، إلا للحق الذي جئت به ، لا لذاتك ، كما قال الله تعالى { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . { وَ } مع هذا فـ { لَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ } على الحق ، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم ، { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } من كثرة المعالجة ، ومحبتك لهدايتهم . { إِذاً } لو ركنت إليهم بما يهوون { لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } أي : لأصبناك بعذاب مضاعف ، في الدنيا والآخرة ، وذلك لكمال نعمة الله عليك ، وكمال معرفتك . { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } ينقذك مما يحل بك من العذاب ، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر ، ومن البشر فثبتك وهداك الصراط المستقيم ، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه ، فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة . { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } أي : من بغضهم لمقامك بين أظهرهم ، قد كادوا أن يخرجوك من الأرض ، ويجلوك منها . ولو فعلوا ذلك ، لم يلبثوا بعدك فيها إلا قليلاً ، حتى تحل بهم العقوبة ، كما هي سنة الله التي لا تحول ولا تبدل في جميع الأمم ، كل أمة كذبت رسولها وأخرجته ، عاجلها الله بالعقوبة . ولما مكر به الذين كفروا وأخرجوه ، لم يلبثوا إلا قليلاً ، حتى أوقع الله بهم بـ " بدر " وقتل صناديدهم ، وفض بيضتهم ، فله الحمد . وفي هذه الآيات ، دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه ، وأنه ينبغي له أن لا يزال متملقاً لربه ، أن يثبته على الإيمان ، ساعياً في كل سبب موصل إلى ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق ، قال الله له : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } فكيف بغيره ؟ ! وفيها تذكير الله لرسوله مِنَّته عليه ، وعصمته من الشر ، فدلّ ذلك على أن الله يحب من عباده أن يتفطنوا لإنعامه عليهم - عند وجود أسباب الشر - بالعصمة منه ، والثبات على الإيمان . وفيها : أنه بحسب علو مرتبة العبد ، وتواتر النعم عليه من الله يعظم إثمه ، ويتضاعف جرمه ، إذا فعل ما يلام عليه ، لأن الله ذكَّر رسوله لو فعل - وحاشاه من ذلك - بقوله : { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } . وفيها : أن الله إذا أراد إهلاك أمة ، تضاعف جرمها ، وعظم وكبر ، فيحق عليها القول من الله ، فيوقع بها العقاب ، كما هي سنته في الأمم إذا أخرجوا رسولهم .