Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 89-96)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي : نوعنا فيه المواعظ والأمثال ، وثنينا فيه المعاني التي يضطر إليها العباد ، لأجل أن يتذكّروا ويتقوا ، فلم يتذكر إلا القليل منهم ، الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة ، وأعانهم الله بتوفيقه ، وأما أكثر الناس فأبوا إلا كفوراً لهذه النعمة التي هي أكبر من جميع النعم ، وجعلوا يتعنتون عليه [ باقتراح ] آيات غير آياته ، يخترعونها من تلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة . فيقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } أي : أنهاراً جارية . { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ } فتستغني بها عن المشي في الأسواق والذهاب والمجيء . { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } أي : قطعاً من العذاب ، { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } أي : جميعاً ، أو مقابلة ومعاينة ، يشهدون لك بما جئت به . { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } أي : مزخرف بالذهب وغيره { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } رقياً حسياً ، { وَ } ومع هذا فـ { لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } . ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات ، وكلام أسفه الناس وأظلمهم ، المتضمنة لرد الحق وسوء الأدب مع الله ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأتي بالآيات ، أمره الله أن ينزهه فقال : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } عما تقولون علواً كبيراً ، وسبحانه أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة ، وآرائهم الضالة . { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } ليس بيده شيء من الأمر . وهذا السبب الذي منع أكثر الناس من الإيمان ، حيث كانت الرسل التي ترسل إليهم من جنسهم بشراً . وهذا من رحمته بهم ، أن أرسل إليهم بشراً منهم ، فإنهم لا يطيقون التلقي من الملائكة . فلو { كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ } يثبتون على رؤية الملائكة والتلقي عنهم { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } ليمكنهم التلقي عنه . { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } فمن شهادته لرسوله ما أيده به من المعجزات ، وما أنزله عليه من الآيات ، ونصره على من عاداه وناوأه . فلو تقوَّل عليه بعض الأقاويل ، لأخذ منه باليمين ، ثم لقطع منه الوتين ، فإنه خبير بصير ، لا تخفى عليه من أحوال العباد خافية .