Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-36)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } . يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : اضرب للناس مثل هذين الرجلين ، الشاكر لنعمة الله ، والكافر لها ، وما صدر من كل منهما ، من الأقوال والأفعال ، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل ، والثواب ، ليعتبروا بحالهما ، ويتعظوا بما حصل عليهما ، وليس معرفة أعيان الرجلين ، وفي أي : زمان أو مكان هما فيه فائدة أو نتيجة ، فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط ، والتعرض لما سوى ذلك من التكلف . فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة ، جعل الله له جنتين ، أي : بستانين حسنين ، من أعناب . { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } أي : في هاتين الجنتين من كل الثمرات ، وخصوصاً أشرف الأشجار ، العنب والنخل ، فالعنب في وسطها ، والنخل قد حف بذلك ، ودار به ، فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه ، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح ، التي تكمل بها الثمار ، وتنضج وتتجوهر ، ومع ذلك جعل بين تلك الأشجار زرعاً ، فلم يبق عليهما إلا أن يقال : كيف ثمار هاتين الجنتين ؟ وهل لهما ماءٌ يكفيهما ؟ فأخبر تعالى أن كلاً من الجنتين آتت أكلها ، أي : ثمرها وزرعها ضعفين ، أي : متضاعفاً { وَ } أنها { لَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } أي : لم تنقص من أكلها أدنى شيء ، ومع ذلك ، فالأنهار في جوانبهما سارحة ، كثيرة غزيرة . { وَكَانَ لَهُ } أي : لذلك الرجل { ثَمَرٌ } أي : عظيم كما يفيده التنكير ، أي : قد استكملت جنتاه ثمارهما ، وارْجَحَنَّتْ أشجارهما ، ولم تعرض لهما آفة أو نقص ، فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث ، ولهذا اغتر هذا الرجل بهما ، وتبجح وافتخر ، ونسي آخرته . { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } أي : فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن ، وهما يتحاوران ، أي : يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة ، مفتخراً عليه : { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } فخر بكثرة ماله ، وعزة أنصاره من عبيد ، وخدم ، وأقارب ، وهذا جهل منه ، وإلا فأي : افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية ، ولا صفة معنوية ، وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني ، التي لا حقائق تحتها ، ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه ، حتى حكم بجهله وظلمه ، وظن لما دخل جنته ، فـ { قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ } أي : تنقطع وتضمحل { هَـٰذِهِ أَبَداً } فاطمأن إلى هذه الدنيا ، ورضى بها ، وأنكر البعث ، فقال : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي } على ضرب المثل { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } أي ليعطيني خيراً من هاتين الجنتين ، وهذا لا يخلو من أمرين : إما أن يكون عالماً بحقيقة الحال ، فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره ، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة ، فيكون من أجهل الناس ، وأبخسهم حظّاً من العقل ، فأي : تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة ، حتى يظن بجهله أن من أُعْطِيَ في الدنيا أعطي في الآخرة ، بل الغالب أن الله تعالى يَزْوِي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه ، ويوسعها على أعدائه ، الذين ليس لهم في الآخرة نصيب ، والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال ، ولكنه قال هذا الكلام ، على وجه التهكم والاستهزاء ، بدليل قوله : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } فإثبات أن وصفه الظلم ، في حال دخوله ، الذي جرى منه ، من القول ما جرى ، يدل على تمرده وعناده .