Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 89-98)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي لما وصل إلى مغرب الشمس كَرَّ راجعاً ، قاصداً مطلعها ، متبعاً للأسباب التي أعطاه الله ، فوصل إلى مطلع الشمس فـ { لشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } أي : وجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس ، إما لعدم استعدادهم في المساكن ، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم ، وعدم تمدنهم ، وإما لكون الشمس دائمة عندهم ، لا تغرب عنهم غروباً يذكر ، كما يوجد ذلك في شرقي أفريقيا الجنوبي ، فوصل إلى موضع انقطع عنه علم أهل الأرض ، فضلاً عن وصولهم إياه بأبدانهم ، ومع هذا ، فكل هذا بتقدير الله له ، وعلمه به ، ولهذا قال : { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } أي : أحطنا بما عنده من الخير والأسباب العظيمة وعِلْمُنا معه ، حيثما توجه وسار . { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } قال المفسرون : ذهب متوجهاً من المشرق ، قاصداً للشمال ، فوصل إلى ما بين السدين ، وهما سدان ، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان ، سداً بين يأجوج ومأجوج وبين الناس ، وجد من دون السدين قوماً لا يكادون يفقهون قولاً ، لعجمة ألسنتهم ، واستعجام أذهانهم وقلوبهم ، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية ، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم ، وراجعهم وراجعوه ، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج ، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم ، فقالوا : { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك . { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } أي جُعْلاً { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } ودلّ ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد ، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه ، فبذلوا له أجرة ، ليفعل ذلك ، وذكروا له السبب الداعي ، وهو : إفسادهم في الأرض ، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع ، ولا رغبة في الدنيا ، ولا تاركاً لإصلاح أحوال الرعية ، بل كان قصده الإصلاح ، فلذلك أجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة ، ولم يأخذ منهم أجرة ، وشكر ربه على تمكينه واقتداره ، فقال لهم : { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أي : مما تبذلون لي وتعطوني ، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } أي : مانعاً من عبورهم عليكم . { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } أي : قطع الحديد . فأعطوه ذلك . { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } أي : الجبلين اللذين بني بينهما السد { قَالَ ٱنفُخُواْ } النار أي : أوقدوها إيقاداً عظيماً ، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد ، فتذيب النحاس ، فلما ذاب النحاس ، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد { قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } أي : نحاساً مذاباً ، فأفرغ عليه القطر ، فاستحكم السد استحكاماً هائلاً وامتنع به من وراءه من الناس ، من ضرر يأجوج ومأجوج . { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } أي : فما لهم استطاعة ، ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه ، ولا على نقبه لإحكامه وقوته ، فلما فعل هذا الفعل الجميل والأثر الجليل ، أضاف النعمة إلى موليها وقال : { هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي } أي : من فضله وإحسانه عليَّ ، وهذه حال الخلفاء الصالحين ، إذا منّ الله عليهم بالنعم الجليلة ، ازداد شكرهم وإقرارهم ، واعترافهم بنعمة الله ، كما قال سليمان عليه السلام ، لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم ، قال : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } [ النمل : 40 ] بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض فإن النعم الكبار تزيدهم أشراً وبطراً . كما قال قارون - لما آتاه الله من الكنوز ، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة - قال : { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [ القصص : 78 ] . وقوله : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } أي : لخروج يأجوج ومأجوج { جَعَلَهُ } أي : ذلك السد المحكم المتقن { دَكَّآءَ } أي : دكه فانهدم ، واستوى هو والأرض { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } .