Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : هذا { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } سنقصه عليك ، ونفصله تفصيلاً يعرف به حالة نبيه زكريا ، وآثاره الصالحة ، ومناقبه الجميلة ، فإن في قصها عبرة للمعتبرين ، وأسوة للمقتدين ، ولأن في تفصيل رحمته لأوليائه ، وبأي : سبب حصلت لهم ، مما يدعو إلى محبة الله تعالى ، والإكثار من ذكره ومعرفته ، والسبب الموصل إليه . وذلك أن الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته ، وخصه بوحيه ، فقام بذلك قيام أمثاله من المرسلين ، ودعا العباد إلى ربه ، وعلمهم ما علمه الله ، ونصح لهم في حياته وبعد مماته ، كإخوانه من المرسلين ومن اتبعهم ، فلما رأى من نفسه الضعف ، وخاف أن يموت ، ولم يكن أحد ينوب منابه في دعوة الخلق إلى ربهم والنصح لهم ، شكا إلى ربه ضعفه الظاهر والباطن ، وناداه نداءً خفياً ، ليكون أكمل وأفضل وأتم إخلاصاً ، فقال : { رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } أي : وَهَى وضعف ، وإذا ضعف العظم ، الذي هو عماد البدن ، ضعف غيره ، { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } لأن الشيب دليل الضعف والكبر ، ورسول الموت ورائده ونذيره ، فتوسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه ، وهذا من أحب الوسائل إلى الله ، لأنه يدل على التَّبرِّي من الحول والقوة ، وتعلق القلب بحول الله وقوته . { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا } أي : لم تكن يا رب تردني خائباً ولا محروماً من الإجابة ، بل لم تزل بي حفياً ولدعائي مجيباً ، ولم تزل ألطافك تتوالى عليَّ ، وإحسانك واصلاً إليَّ ، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه ، وإجابة دعواته السابقة ، فسأل الذي أحسن سابقاً ، أن يتمم إحسانه لاحقاً . { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى } أي : وإني خفت من يتولى على بني إسرائيل من بعد موتي ، أن لا يقوموا بدينك حق القيام ، ولا يدعوا عبادك إليك ، وظاهر هذا ، أنه لم ير فيهم أحداً فيه لياقة للإمامة في الدين ، وهذا فيه شفقة زكريا عليه السلام ونصحه ، وأن طلبه للولد ، ليس كطلب غيره ، قصده مجرد المصلحة الدنيوية ، وإنما قصده مصلحة الدين ، والخوف من ضياعه ، ورأى غيره غير صالح لذلك ، وكان بيته من البيوت المشهورة في الدين ، ومعدن الرسالة ، ومظنة للخير ، فدعا الله أن يرزقه ولداً يقوم بالدين من بعده ، واشتكى أن امرأته عاقر ، أي : ليست تلد أصلاً ، وأنه قد بلغ من الكبر عتياً ، أي : عمراً يندر معه وجود الشهوة والولد ، { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } وهذه الولاية ، ولاية الدين ، وميراث النبوة والعلم والعمل ، ولهذا قال : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } أي : عبداً صالحاً ترضاه وتحببه إلى عبادك ، والحاصل أنه سأل الله ولداً ، ذكراً ، صالحاً ، يبق بعد موته ، ويكون ولياً من بعده ، ويكون نبياً مرضياً عند الله وعند خلقه ، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد ، ومن رحمة الله بعبده أن يرزقه ولداً صالحاً ، جامعاً لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم . فرحمه ربه واستجاب دعوته فقال : { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ … } .