Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 145-145)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان النبي صلى الله عليه وسلم من كمال حرصه على هداية الخلق يبذل لهم غاية ما يقدر عليه من النصيحة ، ويتلطف بهدايتهم ، ويحزن إذا لم ينقادوا لأمر الله ، فكان من الكفار من تمرد عن أمر الله واستكبر على رسل الله ، وترك الهدى عمداً وعدواناً ، فمنهم : اليهود والنصارى ، أهل الكتاب الأول ، الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم عن يقين لا عن جهل ، فلهذا أخبره الله تعالى أنك لو { أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ } أي : بكل برهان ودليل يوضح قولك ، ويبين ما تدعو إليه ، { مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } أي : ما تبعوك ، لأن اتباع القبلة دليل على اتباعه ، ولأن السبب هو شأن القبلة ، وإنما كان الأمر كذلك لأنهم معاندون ، عرفوا الحق وتركوه ، فالآيات إنما تفيد وينتفع بها من يتطلب الحق وهو مشتبه عليه ، فتوضح له الآيات البينات ، وأما من جزم بعدم اتباع الحق ، فلا حيلة فيه . وأيضاً فإن اختلافهم فيما بينهم حاصل ، وبعضهم غير تابع قبلة بعض ، فليس بغريب منهم مع ذلك أن لا يتبعوا قبلتك يا محمد ، وهم الأعداء حقيقة الحسدة ، وقوله : { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } أبلغ من قوله : " ولا تتبع " لأن ذلك يتضمن أنه صلى الله عليه وسلم اتصف بمخالفتهم ، فلا يمكن وقوع ذلك منه ، ولم يقل : " ولو أتوا بكل آية " لأنهم لا دليل لهم على قولهم . وكذلك إذا تبين الحق بأدلته اليقينية ، لم يلزم الإتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه ، لأنها لا حدّ لها ، ولأنه يعلم بطلانها ، للعلم بأن كل ما نافى الحق الواضح فهو باطل ، فيكون حل الشبه من باب التبرع . { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم } إنما قال : " أهواءهم " ولم يقل " دينهم " لأن ما هم عليه مجرد أهوية نفس ، حتى هم في قلوبهم يعلمون أنه ليس بدين ، ومن ترك الدين ، اتبع الهوى ولا محالة ، قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] . { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } بأنك على الحق ، وهم على الباطل ، { إِنَّكَ إِذَاً } أي : إن اتبعتهم ، فهذا احتراز لئلا تنفصل هذه الجملة عما قبلها ، ولو في الأفهام ، { لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي : داخل فيهم ، ومندرج في جملتهم ، وأي ظلم أعظم من ظلم من علم الحق والباطل ، فآثر الباطل على الحق ، وهذا وإن كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم ، فإن أمته داخلة في ذلك ، وأيضا فإذا كان هو صلى الله عليه وسلم لو فعل ذلك - وحاشاه - صار ظالماً مع علو مرتبته ، وكثرة حسناته ، فغيره من باب أولى وأحرى .