Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 183-185)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى بما منَّ به على عباده ، بأنه فرض عليهم الصيام ، كما فرضه على الأمم السابقة ، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان . وفيه تنشيط لهذه الأمة بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال ، والمسارعة إلى صالح الخصال ، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصيتم بها . ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام ، فقال : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى ، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه . فمما اشتمل عليه من التقوى : أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها ، التي تميل إليها نفسه ، متقرباً بذلك إلى الله ، راجياً بتركها ثوابه ، فهذا من التقوى . ومنها : أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى ، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه ، لعلمه باطلاع الله عليه ، ومنها : أن الصيام يضيق مجاري الشيطان ، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فبالصيام يضعف نفوذه ، وتقل منه المعاصي ، ومنها : أن الصائم في الغالب تكثر طاعته ، والطاعات من خصال التقوى ، ومنها : أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين ، وهذا من خصال التقوى . ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام ، أخبر أنه أيام معدودات ، أي : قليلة في غاية السهولة . ثم سهل تسهيلاً آخر ، فقال : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وذلك للمشقة في الغالب ، رخص الله لهما في الفطر . ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن ، أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض ، وانقضى السفر ، وحصلت الراحة . وفي قوله : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ } فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان ، كاملاً كان أو ناقصاً وعلى أنه يجوز أن يقضي أياماً قصيرة باردة ، عن أيام طويلة حارة كالعكس . وقوله : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يطيقون الصيام { فِدْيَةٌ } عن كل يوم يفطرونه { طَعَامُ مِسْكِينٍ } وهذا في ابتداء فرض الصيام ، لما كانوا غير معتادين للصيام ، وكان فرضه حتماً فيه مشقة عليهم ، درجهم الرب الحكيم بأسهل طريق ، وخيّر المطيق للصوم بين أن يصوم وهو أفضل أو يطعم ، ولهذا قال : { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } . ثم بعد ذلك جعل الصيام حتماً على المطيق ، وغير المطيق ، يفطر ويقضيه في أيام أخر [ وقيل : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يتكلفونه ، ويشق عليهم مشقة غير محتملة ، كالشيخ الكبير فدية عن كل يوم مسكين ، وهذا هو الصحيح ] . { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } أي : الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان ، الشهر العظيم الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم ، وهو القرآن الكريم ، المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية ، وتبيين الحق بأوضح بيان ، والفرقان بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، وأهل السعادة وأهل الشقاوة . فحقيق بشهر هذا فضله ، وهذا إحسان الله عليكم فيه أن يكون موسماً للعباد مفروضاً فيه الصيام . فلمَّا قرره وبيَّن فضيلته ، وحكمة الله تعالى في تخصيصه ، قال : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر . ولما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصة ، أعاد الرخصة للمريض والمسافر ، لئلا يتوهم أن الرخصة أيضاً منسوخة ، [ فقال ] { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } أي : يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، ويسهلها أشد تسهيل ، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله . وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهَّله تسهيلاً آخر ، إما بإسقاطه ، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات . وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لأن تفاصيلها جميع الشرعيات ، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات . { وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ } وهذا - والله أعلم - لئلا يتوهم متوهم ، أن صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه ، دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته ، ويشكر الله [ تعالى ] عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده ، وبالتكبير عند انقضائه ، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد .