Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 198-202)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أمر تعالى بالتقوى ، أخبر تعالى أن ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب إذا كان المقصود هو الحج ، وكان الكسب حلالاً منسوباً إلى فضل الله ، لا منسوباً إلى حذق العبد ، والوقوف مع السبب ، ونسيان المسبب ، فإن هذا هو الحرج بعينه . وفي قوله : { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } دلالة على أمور : أحدها : الوقوف بعرفة ، وأنه كان معروفاً أنه ركن من أركان الحج ، فالإفاضة من عرفات لا تكون إلا بعد الوقوف . الثاني : الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام وهو المزدلفة ، وذلك أيضاً معروف ، يكون ليلة النحر بائتاً بها ، وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعياً حتى يسفر جداً ، ويدخل في ذكر الله عنده ، إيقاع الفرائض والنوافل فيه . الثالث : أن الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف بعرفة ، كما تدل عليه الفاء والترتيب . الرابع والخامس : أن عرفات ومزدلفة كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها وإظهارها . السادس : أن مزدلفة في الحرم كما قيده بالحرام . السابع : أن عرفة في الحل كما هو مفهوم التقييد بـ " مزدلفة " . { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } أي : اذكروا الله تعالى كما منّ عليكم بالهداية بعد الضلال ، وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ، فهذه من أكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم في القلب واللسان . { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } أي : ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس ، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن ، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفاً عندهم ، وهو رمي الجمار ، وذبح الهدايا ، والطواف ، والسعي ، والمبيت بـ " منى " ليالي التشريق وتكميل باقي المناسك . ولما كانت [ هذه ] الإفاضة يقصد بها ما ذكر ، والمذكورات آخر المناسك ، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره ، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته وتقصيره فيها ، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمّنّة الجسيمة . وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ، أن يستغفر الله عن التقصير ، ويشكره على التوفيق ، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة ، ومنَّ بها على ربه ، وجعلت له محلاًّ ومنزلة رفيعة ، فهذا حقيق بالمقت ورد العمل ، كما أن الأول ، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر . ثم أخبر تعالى عن أحوال الخلق ، وأن الجميع يسألونه مطالبهم ، ويستدفعونه ما يضرهم ، ولكن مقاصدهم تختلف ، فمنهم : { مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا } أي : يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته ، وليس له في الآخرة من نصيب لرغبته عنها ، وقصر همته على الدنيا ، ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين ، ويفتقر إليه في مهمات دينه ودنياه ، وكل من هؤلاء وهؤلاء لهم نصيب من كسبهم وعملهم ، وسيجازيهم تعالى على حسب أعمالهم وهماتهم ونياتهم ، جزاء دائراً بين العدل والفضل ، يحمد عليه أكمل حمد وأتمه ، وفي هذه الآية دليل على أن الله يجيب دعوة كل داع ، مسلماً أو كافراً ، أو فاسقاً ، ولكن ليست إجابته دعاء من دعاه دليلاً على محبته له وقربه منه ، إلا في مطالب الآخرة ومهمات الدين . والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد ، من رزق هنيء واسع حلال ، وزوجة صالحة ، وولد تقر به العين ، وراحة ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة . وحسنة الآخرة هي السلامة من العقوبات في القبر ، والموقف ، والنار ، وحصول رضا الله ، والفوز بالنعيم المقيم ، والقرب من الرب الرحيم ، فصار هذا الدعاء أجمع دعاء وأكمله ، وأولاه بالإيثار ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به ، والحث عليه .