Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 204-206)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما أمر تعالى بالإكثار من ذكره ، وخصوصاً في الأوقات الفاضلة الذي هو خير ومصلحة وبر ، أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه ويخالف فعله قوله ، فالكلام إما أن يرفع الإنسان أو يخفضه فقال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي : إذا تكلم راق كلامه للسامع ، وإذا نطق ظننته يتكلم بكلام نافع ، ويؤكد ما يقول بأنه { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } بأن يخبر أن الله يعلم أن ما في قلبه موافق لما نطق به ، وهو كاذب في ذلك ، لأنه يخالف قوله فعله . فلو كان صادقاً لتوافق القول والفعل ، كحال المؤمن غير المنافق ، فلهذا قال : { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أي : إذا خاصمته ، وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب ، وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات ، ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم ، والانقياد للحق وظيفتهم ، والسماحة سجيتهم . { وَإِذَا تَوَلَّىٰ } هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك { سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } أي : يجتهد على أعمال المعاصي التي هي إفساد في الأرض { وَيُهْلِكَ } بسبب ذلك { ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } فالزروع والثمار والمواشي تتلف وتنقص وتقل بركتها ، بسبب العمل في المعاصي ، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } وإذا كان لا يحب الفساد فهو يبغض العبد المفسد في الأرض ، غاية البغض ، وإن قال بلسانه قولاً حسناً . ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ليست دليلاً على صدق ولا كذب ، ولا بر ولا فجور ، حتى يوجد العمل المصدق لها المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود ، والمحق والمبطل من الناس بسبر أعمالهم ، والنظر لقرائن أحوالهم ، وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم . ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله ، إذا أمر بتقوى الله تكبّر وأنف ، و { للَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين . { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } التي هي دار العاصين والمتكبرين ، { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي : المستقر والمسكن عذاب دائم ، وهم لا ينقطع ، ويأس مستمر ، لا يخفف عنهم العذاب ، ولا يرجون الثواب ، جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم ، فعياذاً بالله من أحوالهم .