Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 210-210)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب ، يقول تعالى : هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض ، المتبعون لخطوات الشيطان ، النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال ، الذي قد حشي من الأهوال والشدائد والفظائع ما يقلقل قلوب الظالمين ، ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين ، وذلك أن الله تعالى يطوي السماوات والأرض ، وتنثر الكواكب ، وتكور الشمس والقمر ، وتنزل الملائكة الكرام فتحيط بالخلائق ، وينزل الباري [ تبارك ] تعالى : { فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } ليفصل بين عباده بالقضاء العدل . فتوضع الموازين ، وتنشر الدواوين ، وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة ، ويتميز أهل الخير من أهل الشر ، وكلٍّ يجازى بعمله ، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه . وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة ، المثبتين للصفات الاختيارية ، كالاستواء والنزول والمجيء ، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى عن نفسه ، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته ، من غير تشبيه ولا تحريف ، خلافاً للمعطلة على اختلاف أنواعهم ، من الجهمية والمعتزلة والأشعرية ، ونحوهم ، ممن ينفي هذه الصفات ، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان ، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله ، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب ، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي ، بل ولا دليل عقلي ، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة ، ظاهرها بل صريحها ، دال على مذهب أهل السنة والجماعة ، وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل ، أن تخرج عن ظاهرها ، ويزاد فيها وينقص ، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان . وأما العقل فليس في العقل ما يدل على نفي هذه الصفات ، بل العقل دلّ على أن الفاعل أكمل من الذي لا يقدر على الفعل ، وأن فعله تعالى المتعلق بنفسه والمتعلق بخلقه هو كمال ، فإن زعموا أن إثباتها يدل على التشبيه بخلقه ، قيل لهم : الكلام على الصفات يتبع الكلام على الذات ، فكما أن لله ذاتاً لا تشبهها الذوات ، فلله صفات لا تشبهها الصفات ، فصفاته تبع لذاته ، وصفات خلقه تبع لذواتهم ، فليس في إثباتها ما يقتضي التشبيه بوجه . ويقال أيضاً لمن أثبت بعض الصفات ونفى بعضاً ، أو أثبت الأسماء دون الصفات : إما أن تثبت الجميع كما أثبته الله لنفسه وأثبته رسوله ، وإما أن تنفي الجميع ، وتكون منكراً لرب العالمين ، وأما إثباتك بعض ذلك ونفيك لبعضه ، فهذا تناقض ، ففرَّق بين ما أثبته وما نفيته ، ولن تجد إلى الفرق سبيلاً ، فإن قلت : ما أثبته لا يقتضي تشبيهاً ، قال لك أهل السنة : والإثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيهاً ، فإن قلت : لا أعقل من الذي نفيته إلا التشبيه ، قال لك النفاة : ونحن لا نعقل من الذي أثبته إلا التشبيه ، فما أجبت به النفاة ، أجابك به أهل السنة ، لما نفيته . والحاصل أن من نفى شيئاً وأثبت شيئاً مما دل الكتاب والسنة على إثباته ، فهو متناقض ، لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي ، بل قد خالف المعقول والمنقول .