Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 230-231)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } أي : الطلقة الثالثة { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } أي : نكاحاً صحيحاً ويطؤها ، لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحاً ، ويدخل فيه العقد والوطء ، وهذا بالاتفاق . ويشترط أن يكون نكاح الثاني نكاح رغبة ، فإن قصد به تحليلها للأول فليس بنكاح ، ولا يفيد التحليل ، ولا يفيد وطء السيد ، لأنه ليس بزوج ، فإذا تزوجها الثاني راغباً ووطئها ثم فارقها وانقضت عدتها { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ } أي : على الزوج الأول والزوجة { أَن يَتَرَاجَعَآ } أي : يجددا عقداً جديداً بينهما ، لإضافته التراجع إليهما ، فدل على اعتبار التراضي . ولكن يشترط في التراجع أن يظنا { أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } بأن يقوم كل منهما بحق صاحبه ، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق ، وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة ، فهنا لا جناح عليهما في التراجع . ومفهوم الآية الكريمة أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله ، بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية ، والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحاً ، لأن جميع الأمور إن لم يقم فيها أمر الله ، ويسلك بها طاعته ، لم يحل الإقدام عليها . وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور ، خصوصاً الولايات الصغار والكبار ، نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك ووثق بها ، أقدم وإلا أحجم . ولما بين الله تعالى هذه الأحكام العظيمة ، قال : { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي : شرائعه التي حدّدها وبيّنها ووضحها . { يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } لأنهم هم المنتفعون بها ، النافعون لغيرهم . وفي هذا من فضيلة أهل العلم ما لا يخفى ، لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده خاصاً بهم ، وأنهم المقصودون بذلك ، وفيه أن الله تعالى يحب من عباده ، معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقّه بها . ثم قال تعالى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } أي : طلاقاً رجعياً بواحدة أو ثنتين . { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي : قاربن انقضاء عدتهن . { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي : إما أن تراجعوهن ونيتكم القيام بحقوقهن ، أو تتركوهن بلا رجعة ولا إضرار ، ولهذا قال : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } أي : مضارة بهن { لِّتَعْتَدُواْ } في فعلكم هذا الحلال ، إلى الحرام فالحلال : الإمساك بمعروف ، والحرام : المضارة ، { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد إلى من أراد الضرار . { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } لما بين تعالى حدوده غاية التبيين ، وكان المقصود العلم بها والعمل ، والوقوف معها وعدم مجاوزتها ، لأنه تعالى لم ينزلها عبثاً ، بل أنزلها بالحق والصدق والجد ، نهى عن اتخاذها هزواً ، أي : لعباً بها ، وهو التجرؤ عليها ، وعدم الامتثال لواجبها ، مثل استعمال المضارة في الإمساك أو الفراق ، أو كثرة الطلاق ، أو جمع الثلاث ، والله من رحمته جعل له واحدة بعد واحدة ، رفقاً به وسعياً في مصلحته . { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } عموماً ، باللسان ثناءً وحمداً ، وبالقلب اعترافاً وإقراراً ، وبالأركان بصرفها في طاعة الله ، { عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ } أي : السنة ، اللذين بيّن لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها ، وطرق الشر وحذَّركم إياها ، وعرّفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه ، وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون . وقيل : المراد بالحكمة أسرار الشريعة ، فالكتاب فيه الحكم ، والحكمة فيها بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه ، وكلا المعنيين صحيح ، ولهذا قال { يَعِظُكُمْ بِهِ } أي : بما أنزل عليكم ، وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة أسرار الشريعة ، لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة ، والترغيب أو الترهيب ، فالحكم به يزول الجهل . والحكمة مع الترغيب يوجب الرغبة ، والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في جميع أموركم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فلهذا بيّن لكم هذه الأحكام بغاية الإتقان والإحكام ، التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان ، [ فله الحمد والمنة ] .