Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-245)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم ، بأن الذي أخرجهم منها حذر الموت من وباء أو غيره ، يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت ، ولكن لا يغني حذر عن قدر ، { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } فماتوا { ثُمَّ } إن الله تعالى { أَحْيَٰهُمْ } إما بدعوة نبي أو بغير ذلك ، رحمة بهم ولطفاً وحلماً ، وبياناً لآياته لخلقه بإحياء الموتى ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ } أي : عظيم { عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } فلا تزيدهم النعمة شكراً ، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه ، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم . ثم أمر تعالى بالقتال في سبيله ، وهو قتال الأعداء الكفار لإعلاء كلمة الله ونصر دينه ، فقال : { وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله ، واعلموا أنه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئاً ، ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم ، فليس الأمر كذلك ، ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الأمر ، فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم ، بل أتاهم ما حذروا من غير أن يحتسبوا ، فاعلموا أنكم كذلك ، ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذلك ، أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغب فيه ، وسماه قرضاً فقال : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } فينفق ما تيسر من أمواله في طرق الخيرات ، خصوصاً في الجهاد ، والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى ، { فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، بحسب حالة المنفق ، ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها ، ولما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر دفع تعالى هذا الوهم بقوله : { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } أي : يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء ، فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع إليه ، فالإمساك لا يبسط الرزق ، والإنفاق لا يقبضه ، ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله ، بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملاً موفراً مضاعفاً ، فلهذا قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم . ففي هذه الآيات دليل على أن الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر ، وخصوصاً الأسباب التي تترك بها أوامر الله . وفيها : الآية العظيمة بإحياء الموتى أعياناً في هذه الدار . وفيها : الأمر بالقتال والنفقة في سبيل الله ، وذكر الأسباب الداعية لذلك الحاثة عليه ، من تسميته قرضاً ، ومضاعفته ، وأن الله يقبض ويبسط وإليه ترجعون .