Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 259-259)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا أيضاً دليل آخر على توحد الله بالخلق والتدبير والإماتة والإحياء ، فقال : { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي : قد باد أهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها ، فلم يبق بها أنيس بل بقيت موحشة من أهلها مقفرة ، فوقف عليها ذلك الرجل متعجباً و { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } استبعاداً لذلك وجهلاً بقدرة الله تعالى ، فلما أراد الله به خيراً أراه آية في نفسه وفي حماره ، وكان معه طعام وشراب ، { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } استقصاراً لتلك المدة التي مات فيها لكونه قد زالت معرفته وحواسه وكان عهد حاله قبل موته ، فقيل له { بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } أي : لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف الأوقات عليه ، ففيه أكبر دليل على قدرته حيث أبقاه وحفظه عن التغير والفساد ، مع أن الطعام والشراب من أسرع الأشياء فساداً { وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده وانتثرت عظامه ، وتفرقت أوصاله { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ } على قدرة الله وبعثه الأموات من قبورهم ، لتكون أنموذجاً محسوساً مشاهداً بالأبصار ، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل { وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا } أي : ندخل بعضها في بعض ، ونركب بعضها ببعض { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } فنظر إليها عياناً كما وصفها الله تعالى ، { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } ذلك وعلم قدرة الله تعالى { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } والظاهر من سياق الآية أن هذا رجل منكر للبعث أراد الله به خيراً ، وأن يجعله آية ودليلاً للناس لثلاثة أوجه أحدها قوله { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } ولو كان نبياً أو عبداً صالحاً لم يقل ذلك ، والثاني : أن الله أراه آية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه ليراه بعينه فيقر بما أنكره ، ولم يذكر في الآية أن القرية المذكورة عمرت وعادت إلى حالتها ، ولا في السياق ما يدل على ذلك ، ولا في ذلك كثير فائدة ، ما الفائدة الدالة على إحياء الله للموتى في قرية خربت ثم رجع إليها أهلها أو غيرهم فعمروها ؟ ! وإنما الدليل الحقيقي في إحيائه وإحياء حماره وإبقاء طعامه وشرابه بحاله ، والثالث في قوله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي : تبين له أمر كان يجهله ويخفى عليه ، فعلم بذلك صحة ما ذكرناه ، والله أعلم . ثم قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ … } .