Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 40-43)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } المراد بإسرائيل : يعقوب عليه السلام ، والخطاب مع فرق بني إسرائيل ، الذين بالمدينة وما حولها ، ويدخل فيهم من أتى من بعدهم ، فأمرهم بأمر عام ، فقال : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها ، والمراد بذكرها بالقلب اعترافاً ، وباللسان ثناءً ، وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه . { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله وإقامة شرعه ، { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } وهو المجازاة على ذلك . والمراد بذلك : ما ذكره الله في قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ [ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي ] } [ المائدة : 12 ] إلى قوله : { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 12 ] . ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده ، وهو الرهبة منه تعالى ، وخشيته وحده ، فإن من خشِيَهُ أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه . ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ، ولا يصح إلا به ، فقال : { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ } وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم بالإيمان به واتباعه ، ويستلزم ذلك الإيمان بمن أنزل عليه ، وذكر الداعي لإيمانهم به ، فقال : { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } أي : موافقاً له لا مخالفاً ولا مناقضاً ، فإذا كان موافقاً لما معكم من الكتب غير مخالف لها ، فلا مانع لكم من الإيمان به ، لأنه جاء بما جاءت به المرسلون ، فأنتم أولى من آمن به وصدق به ، لكونكم أهل الكتب والعلم . وأيضا فإن في قوله : { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به ، عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم ، لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء ، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم . وأيضاً فإن في الكتب التي بأيديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به ، فإن لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما أنزل إليكم ، ومن كذب ببعض ما أنزل إليه فقد كذب بجميعه ، كما أن من كفر برسولٍ فقد كذب الرسل جميعهم . فلما أمرهم بالإيمان به ، نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به ، فقال : { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } أي : بالرسول والقرآن . وفي قوله : { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } أبلغ من قوله : " ولا تكفروا به " لأنهم إذا كانوا أول كافر به ، كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به ، عكس ما ينبغي منهم ، وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم . ثم ذكر المانع لهم من الإيمان ، وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية ، فقال : { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً } وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل ، التي يتوهمون انقطاعها إن آمنوا بالله ورسوله ، فاشتروها بآيات الله واستحبوها وآثروها . { وَإِيَّٰيَ } أي : لا غيري { فَٱتَّقُونِ } فإنكم إذا اتقيتم الله وحده ، أوجبت لكم تقواه تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل ، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل ، فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم . ثم قال : { وَلاَ تَلْبِسُواْ } أي : تخلطوا { ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } فنهاهم عن شيئين ، عن خلط الحق بالباطل وكتمان الحق لأن المقصود من أهل الكتب والعلم ، تمييز الحق من الباطل وإظهار الحق ، ليهتدي بذلك المهتدون ، ويرجع الضالون ، وتقوم الحجة على المعاندين لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته ، ليميز الحق من الباطل ، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين ، فمن عمل بهذا من أهل العلم ، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم . ومن لبس الحق بالباطل ، فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك ، وكتم الحق الذي يعلمه ، وأمر بإظهاره ، فهو من دعاة جهنم ، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم ، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين . ثم قال : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ } أي : ظاهراً وباطناً { وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } مستحقيها ، { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } أي : صلوا مع المصلين ، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله ، فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة ، وبين الإخلاص للمعبود والإحسان إلى عبيده ، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية . وقوله : { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } أي : صلوا مع المصلين ، ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها ، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع ، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها .