Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 91-93)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله ، وهو القرآن ، استكبروا وعتوا ، و { قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ } أي : بما سواه من الكتب ، مع أن الواجب أن يُؤمن بما أنزل الله مطلقاً ، سواء أنزل عليهم أو على غيرهم ، وهذا هو الإيمان النافع ، الإيمانُ بما أنزل الله على جميع رسل الله . وأما التفريق بين الرسل والكتب ، وزعْم الإيمان ببعضها دون بعض ، فهذا ليس بإيمان ، بل هو الكفر بعينه ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً } [ النساء : 150 - 151 ] . ولهذا ردَّ عليهم تبارك وتعالى هنا رداً شافياً ، وألزمهم إلزاماً لا محيد لهم عنه ، فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين فقال : { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الإخبارات والأوامر والنواهي ، وهو من عند ربهم ، فالكفر به بعد ذلك كفر بالله ، وكفر بالحق الذي أنزله . ثم قال : { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } أي : موافقاً له في كل ما دل عليه من الحق ومهيمناً عليه . فلم تؤمنون بما أنزل عليكم ، وتكفرون بنظيره ؟ هل هذا إلا تعصب واتباع للهوى لا للهدى ؟ وأيضا ، فإن كون القرآن مصدقاً لما معهم ، يقتضي أنه حجة لهم على صدق ما في أيديهم من الكتب ، فلا سبيل لهم إلى إثباتها إلا به ، فإذا كفروا به وجحدوه ، صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة ليس له غيرها ، ولا تتم دعواه إلا بسلامة بينته ، ثم يأتي هو لبينته وحجته فيقدح فيها ويكذب بها ، أليس هذا من الحماقة والجنون ؟ فكان كفرهم بالقرآن ، كفراً بما في أيديهم ونقضاً له . ثم نقض عليهم تعالى دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم بقوله : { قُلْ } لهم : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي : بالأدلة الواضحات المبينة للحق { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ } أي : بعد مجيئه { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } في ذلك ليس لكم عذر . { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ } أي : سماع قبول وطاعة واستجابة ، { قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي : صارت هذه حالتهم { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } أي : صبغ حب العجل وحب عبادته في قلوبهم ، وتشرَّبها بسبب كفرهم . { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي : أنتم تدعون الإيمان وتتمدحون بالدين الحق ، وأنتم قتلتم أنبياء الله ، واتخذتم العجل إلهاً من دون الله لمَّا غاب عنكم موسى ، نبي الله ، ولم تقبلوا أوامره ونواهيه إلا بعد التهديد ورفع الطور فوقكم ، فالتزمتم بالقول ونقضتم بالفعل ، فما هذا الإيمان الذي ادعيتم ، وما هذا الدين ؟ فإن كان هذا إيماناً على زعمكم ، فبئس الإيمان الداعي صاحبه إلى الطغيان ، والكفر برسل الله ، وكثرة العصيان ، وقد عهد أن الإيمان الصحيح يأمر صاحبه بكل خير ، وينهاه عن كل شر ، فوضح بهذا كذبهم ، وتبين تناقضهم .