Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 17-24)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض ، من الذين أوتوا الكتاب ، من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين ، ومن المجوس ، ومن المشركين أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة ، ويفصل بينهم بحكمه العدل ، ويجازيهم بأعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } كلٍّ يدعي أنه المحق . { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يشمل كل كافر ، من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، والمشركين . { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } أي : يجعل لهم ثياب من قطران ، وتشعل فيها النار ، ليعمهم العذاب من جميع جوانبهم . { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } الماء الحار جداً ، يصهر ما في بطونهم من اللحم والشحم والأمعاء ، من شدة حره ، وعظيم أمره ، { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } بيد الملائكة الغلاظ الشداد ، تضربهم فيها وتقمعهم ، { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } فلا يُفَتَّرُ عنهم العذاب ، ولا هم ينظرون ، ويقال لهم توبيخاً : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي : المحرق للقلوب والأبدان ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ومعلوم أن هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين ، الذين آمنوا بجميع الكتب ، وجميع الرسل ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } أي : يسورون في أيديهم ، رجالهم ونساؤهم أساور الذهب . { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } فتم نعيمهم بذكر أنواع المأكولات اللذيذات المشتمل عليها ، لفظ الجنات ، وذكر الأنهار السارحات ، أنهار الماء واللبن والعسل والخمر ، وأنواع اللباس ، والحلي الفاخر ، وذلك بسبب أنهم { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص ، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله ، أو إحسان إلى عباد الله ، { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } أي : الصراط المحمود ، وذلك لأن جميع الشرع كله محتو على الحكمة والحمد ، وحسن المأمور به ، وقبح المنهي عنه ، وهو الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح . أو : وهدوا إلى صراط الله الحميد ، لأن الله كثيراً ما يضيف الصراط إليه ، لأنه يوصل صاحبه إلى الله ، وفي ذكر { ٱلْحَمِيدِ } هنا ، ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم ، ولهذا يقولون في الجنة : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } [ الأعراف : 43 ] واعترض تعالى بين هذه الآيات بذكر سجود المخلوقات له ، جميع من في السماوات والأرض ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، والشجر ، والدواب ، الذي يشمل الحيوانات كلها ، وكثير من الناس ، وهم المؤمنون ، { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } أي : وجب وكتب ، لكفره وعدم إيمانه ، فلم يوفقه للإيمان ، لأن الله أهانه ، { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } ولا راد لما أرادٌّ ، ولا معارض لمشيئته ، فإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها ، خاضعة لعظمته ، مستكينة لعزته ، عانية لسلطانه ، دلّ على أنه وحده ، الرب المعبود ، والملك المحمود ، وأن من عدل عنه إلى عبادة سواه ، فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وخسر خسراناً مبيناً .