Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 101-114)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن هول يوم القيامة ، وما في ذلك اليوم ، من المزعجات والمقلقات ، وأنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث ، فحشر الناس أجمعون ، لميقات يوم معلوم ، أنه يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم ، التي هي أقوى الأسباب ، فغير الأنساب من باب أولى ، وأنه لا يسأل أحد أحداً عن حاله ، لاشتغاله بنفسه ، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها ؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها ؟ قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . وفي القيامة مواضع ، يشتد كربها ، ويعظم وقعها ، كالميزان الذي يميز به أعمال العبد ، وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه ، وتبين فيه مثاقيل الذر ، من الخير والشر ، { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } بأن رجحت حسناته على سيئاته { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } لنجاتهم من النار ، واستحقاقهم الجنة ، وفوزهم بالثناء الجميل ، { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } بأن رجحت سيئاته على حسناته ، وأحاطت بها خطيئاته { فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } كل خسارة ، غير هذه الخسارة ، فإنها - بالنسبة إليها - سهلة ، ولكن هذه خسارة صعبة ، لا يجبر مصابها ، ولا يستدرك فائتها ، خسارة أبدية ، وشقاوة سرمدية ، قد خسر نفسه الشريفة ، التي يتمكن بها من السعادة الأبدية ففوَّتها هذا النعيم المقيم ، في جوار الرب الكريم . { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } لا يخرجون منها أبد الآبدين ، وهذا الوعيد ، إنما هو كما ذكرنا ، لمن أحاطت خطيئاته بحسناته ، ولا يكون ذلك إلا كافراً ، فعلى هذا ، لا يحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته ، فإنهم لا حسنات لهم ، ولكن تُعَدُّ أعمالهم وتحصى ، فيوقفون عليها ، ويقررون بها ، ويخزون بها ، وأما من معه أصل الإيمان ، ولكن عظمت سيئاته ، فرجحت على حسناته ، فإنه وإن دخل النار ، لا يخلد فيها ، كما دلّت على ذلك نصوص الكتاب والسنة . ثم ذكر تعالى ، سوء مصير الكافرين فقال : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } أي : تغشاهم من جميع جوانبهم ، حتى تصيب أعضاءهم الشريفة ، ويتقطع لهبها عن وجوههم ، { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قد عبست وجوههم ، وقلصت شفاههم ، من شدة ما هم فيه ، وعظيم ما يلقونه . فيقال لهم - توبيخاً ولوماً - : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } تدعون بها ، لتؤمنوا ، وتعرض عليكم لتنظروا ، { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } ظلماً منكم وعناداً ، وهي آيات بينات ، دالات على الحق والباطل ، مبينات للمحق والمبطل ، فحينئذ أقروا بظلمهم ، حيث لا ينفع الإقرار { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } أي : غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والإعراض عن الحق ، والإقبال على ما يضر ، وترك ما ينفع { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } في عملهم ، وإن كانوا يدرون أنهم ظالمون ، أي : فعلنا في الدنيا فعل التائه ، الضال السفيه ، كما قالوا في الآية الأخرى : { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] . { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } وهم كاذبون في وعدهم هذا ، فإنهم كما قال تعالى : { لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ولم يُبْقِ الله لهم حجة ، بل قطع أعذارهم ، وعمَّرهم في الدنيا ، ما يتذكر فيه [ من ] المتذكر ، ويرتدع فيه المجرم ، فقال الله جوابا لسؤالهم : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } وهذا القول - نسأله تعالى العافية - أعظم قول على الإطلاق يسمعه المجرمون في التخييب ، والتوبيخ ، والذل ، والخسار ، والتأييس من كل خير ، والبشرى بكل شر ، وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم ، أشد عليهم وأبلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم ، ثم ذكر الحال التي أوصلتهم إلى العذاب ، وقطعت عنهم الرحمة فقال : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } فجمعوا بين الإيمان المقتضي لأعماله الصالحة ، والدعاء لربهم بالمغفرة والرحمة ، والتوسل إليه بربوبيته ، ومنته عليهم بالإيمان ، والإخبار بسعة رحمته ، وعموم إحسانه ، وفي ضمنه ، ما يدل على خضوعهم وخشوعهم ، وانكسارهم لربهم ، وخوفهم ورجائهم . فهؤلاء سادات الناس وفضلائهم ، { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ } أيها الكفرة الأنذال ناقصو العقول والأحلام { سِخْرِيّاً } تهزؤون بهم وتحتقرونهم ، حتى اشتغلتم بذلك السفه . { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } وهذا الذي أوجب لهم نسيان الذكر ، اشتغالهم بالاستهزاء بهم ، كما أن نسيانهم للذكر ، يحثهم على الاستهزاء ، فكل من الأمرين يمد الآخر ، فهل فوق هذه الجراءة جراءة ؟ ! { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ } على طاعتي ، وعلى أذاكم ، حتى وصلوا إلي . { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } بالنعيم المقيم ، والنجاة من الجحيم ، كما قال في الآية الأخرى : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } الآيات [ المطففين : 34 ] . { قَالَ } لهم على وجه اللوم ، وأنهم سفهاء الأحلام ، حيث اكتسبوا في هذه المدة اليسيرة كل شر أوصلهم إلى غضبه وعقوبته ، ولم يكتسبوا ما اكتسبه المؤمنون [ من ] الخير ، الذي يوصلهم إلى السعادة الدائمة ورضوان ربهم . { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } كلامهم هذا مبنيُّ على استقصارهم جداً ، لمدة مكثهم في الدنيا ، وأفاد ذلك لكنه لا يفيد مقداره ، ولا يعينه ، فلهذا قالوا : { فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } أي : الضابطين لعدده ، وأما هم ، ففي شغل شاغل ، وعذاب مذهل ، عن معرفة عدده ، فقال لهم : { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } سواء عينتم عدده ، أم لا { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .