Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 17-20)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى خلق الآدمي ، ذكر سكنه ، وَتَوفُّر النعم عليه من كل وجه فقال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ } سقفاً للبلاد ، ومصلحة للعباد { سَبْعَ طَرَآئِقَ } أي : سبع سماوات طباقاً ، كل طبقة فوق الأخرى ، قد زينت بالنجوم والشمس والقمر ، وأودع فيها من مصالح الخلق ما أودع ، { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } فكما أن خلقنا عام لكل مخلوق ، فعلمنا أيضاً محيط بما خلقنا ، فلا نغفل مخلوقاً ولا ننساه ، ولا نخلق خلقاً فنضيعه ، ولا نغفل عن السماء فتقع على الأرض ، ولا ننسى ذرة في لجج البحار وجوانب الفلوات ، ولا دابة إلا سقنا إليها رزقها { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } [ هود : 6 ] وكثيراً ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] { بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } [ يس : 81 ] لأن خلق المخلوقات ، من أقوى الأدلة العقلية ، على علم خالقها وحكمته . { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } يكون رزقاً لكم ولأنعامكم بقدر ما يكفيكم ، فلا ينقصه ، بحيث لا يكفي الأرض والأشجار ، فلا يحصل منه المقصود ، ولا يزيده زيادة لا تحتمل ، بحيث يتلف المساكن ، ولا تعيش معه النباتات والأشجار ، بل أنزله وقت الحاجة لنزوله ، ثم صرفه عند التضرر من دوامه ، { فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : أنزلناه عليها ، فسكن واستقر ، وأُخرج بقدرة منزله ، جميع الأزواج النباتية ، وأسكنه أيضاً معداً في خزائن الأرض ، بحيث لم يذهب نازلاً ، حتى لا يوصل إليه ، ولا يبلغ قعره ، { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } إما بأن لا ننزله ، أو ننزله ، فيذهب نازلاً لا يوصل إليه ، أو لا يوجد منه المقصود منه ، وهذا تنبيه منه لعباده أن يشكروه على نعمته ، ويقدروا عدمها ، ماذا يحصل به من الضرر ، كقوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } [ الملك : 30 ] . { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي : بذلك الماء { جَنَّاتٍ } أي : بساتين { مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } خص تعالى هذين النوعين ، مع أنه ينشئ منه غيرهما من الأشجار ، لفضلهما ومنافعهما ، التي فاقت بها الأشجار ، ولهذا ذكر العام في قوله : { لَّكُمْ فِيهَا } أي : في تلك الجنات { فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } من تين ، وأترج ، ورمان ، وتفاح وغيرها ، { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } وهي شجرة الزيتون ، أي : جنسها ، خصت بالذكر ، لأن مكانها خاص في أرض الشام ، ولمنافعها ، التي ذكر بعضها في قوله : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } أي : فيها الزيت ، الذي هو دهن ، يستعمل استعماله من الاستصباح به ، واصطباغ الآكلين ، أي : يجعل إداماً للآكلين ، وغير ذلك من المنافع .