Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 23-30)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إلى آخر القصة وهي قوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } يذكر تعالى رسالة عبده ورسوله نوح عليه السلام ، أول رسول أرسله لأهل الأرض ، فأرسله إلى قومه ، وهم يعبدون الأصنام ، فأمرهم بعبادة الله وحده ، فقال : { يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي : أخلصوا له العبادة ، لأن العبادة لا تصح إلا بإخلاصها . { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } فيه إبطال ألوهية غير الله ، وإثبات الإلهية لله تعالى ، لأنه الخالق الرازق ، الذي له الكمال كله ، وغيره بخلاف ذلك . { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } ما أنتم عليه من عبادة الأوثان والأصنام ، التي صورت على صور قوم صالحين ، فعبدوها مع الله ، فاستمر على ذلك ، يدعوهم سراً وجهاراً ، وليلاً ونهاراً ، ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وهم لا يزدادون إلا عتواً ونفوراً . { فَقَالَ ٱلْمَلأُ } من قومه الأشراف والسادة المتبوعون - على وجه المعارضة لنبيهم نوح ، والتحذير من اتباعه - : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي : ما هذا إلا بشر مثلكم ، قصده حين ادعى النبوة أن يزيد عليكم فضيلة ، ليكون متبوعاً ، وإلا فما الذي يفضله عليكم ، وهو من جنسكم ؟ وهذه المعارضة لا زالت موجودة في مكذبي الرسل ، وقد أجاب الله عنها بجواب شاف ، على ألسنة رسله كما في قوله : { قَالُوۤاْ } أي : لرسلهم { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ إبراهيم : 10 - 11 ] فأخبروا أن هذا فضل الله ومنته ، فليس لكم أن تحجروا على الله ، وتمنعوه من إيصال فضله علينا . وقالوا هنا { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } وهذه أيضاً معارضة بالمشيئة باطلة ، فإنه وإن كان لو شاء لأنزل ملائكة ، فإنه حكيم رحيم ، حكمته ورحمته تقتضي أن يكون الرسول من جنس الآدميين ، لأن المَلَكَ لا قدرة لهم على مخاطبته ، ولا يمكن أن يكون إلا بصورة رجل ، ثم يعود اللبس عليهم كما كان . وقولهم : { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي بإرسال رسولٍ { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } وأيُ حجة في عدم سماعهم إرسال رسول في آبائهم الأولين ؟ لأنهم لم يحيطوا علماً بما تقدم ، فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم ، وعلى تقدير أنه لم يرسل فيهم رسولاً ، فإما أن يكونوا على الهدى فلا حاجة لإرسال الرسول إذ ذاك ، وإما أن يكونوا على غيره ، فليحمدوا ربهم ويشكروه أن خصهم بنعمة لم تأت آباءهم ، ولا شعروا بها ، ولا يجعلوا عدم الإحسان على غيرهم سبباً لكفرهم للإحسان إليهم . { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي : مجنون { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ } أي : انتظروا به { حَتَّىٰ حِينٍ } إلى أن يأتيه الموت . وهذه الشَّبَهُ التي أوردوها ، معارضة لنبوة نبيهم ، دالة على شدة كفرهم وعنادهم ، وعلى أنهم في غاية الجهل والضلال ، فإنها لا تصلح للمعارضة بوجه من الوجوه ، كما ذكرنا ، بل هي في نفسها متناقضة متعارضة فقوله { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أثبتوا أن له عقلاً يكيدهم به ، ليعلوهم ويسودهم ، ويحتاج - مع هذا - أن يحذر منه لئلا يغتر به ، فكيف يلتئم مع قولهم : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } وهل هذا إلا من مشبه ضال ، منقلب عليه الأمر ، قصده الدفع بأي طريق اتفق له ، غير عالم بما يقول ؟ ! ! ويأبى الله إلا أن يظهر خزي من عاداه وعادى رسله . فلما رأى نوح أنه لا يفيدهم دعاؤه إلا فراراً { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } فاستنصر ربه عليهم ، غضباً لله ، حيث ضيعوا أمره ، وكذبوا رسوله وقال { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 26 - 27 ] قال تعالى : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } [ الصافات : 75 ] . { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } عند استجابتنا له ، سبباً ووسيلة للنجاة ، قبل وقوع أسبابه ، { أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } أي : السفينة { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي : بأمرنا لك ومعونتنا ، وأنت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك . { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } بإرسال الطوفان الذي عذبوا به { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } أي : فارت الأرض ، وتفجرت عيوناً ، حتى محل النار ، الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن الماء ، { فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات ، ذكراً وأنثى ، تبقى مادة النسل لسائر الحيوانات ، التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض ، { وَأَهْلَكَ } أي : أدخلهم { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } كابنه ، { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي : لا تدعني أن أنجيهم ، فإن القضاء والقدر ، قد حتم أنهم مغرقون . { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ } أي : علوتم عليها ، واستقلت بكم في تيار الأمواج ، ولجج اليم ، فاحمدوا الله على النجاة والسلامة . فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ، وهذا تعليم منه له ولمن معه ، أن يقولوا هذا شكراً له وحمداً على نجاتهم من القوم الظالمين في عملهم وعذابهم . { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } أي : وبقيت عليكم نعمة أخرى ، فادعوا الله فيها ، وهي أن ييسر الله لكم منزلاً مباركاً ، فاستجاب الله دعاءه ، قال الله : { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ هود : 44 ] إلى أن قال : { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } الآية [ هود : 48 ] . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي : في هذه القصة { لآيَاتٍ } تدل على أن الله وحده المعبود ، وعلى أن رسوله نوحاً صادق ، وأن قومه كاذبون ، وعلى رحمة الله بعباده ، حيث حملهم في صلب أبيهم نوح ، في الفلك لما غرق أهل الأرض . والفلك أيضاً من آيات الله ، قال تعالى : { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ القمر : 15 ] ولهذا جمعها هنا لأنها تدل على عدة آيات ومطالب . { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } .