Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-29)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يرشد الباري عباده المؤمنين ، أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم بغير استئذان ، فإن في ذلك عدة مفاسد : منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " ، فبسبب الإخلال به ، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت ، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه ، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده . ومنها : أن ذلك يوجب الريبة من الداخل ، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها ، لأن الدخول خفية ، يدل على الشر ، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي : يستأذنوا . سمي الاستئذان استئناساً ، لأن به يحصل الاستئناس ، وبعدمه تحصل الوحشة ، { وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } وصفة ذلك ، ما جاء في الحديث : " السلام عليكم ، أأدخل ؟ " { ذٰلِكُمْ } أي : الاستئذان المذكور { خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } لاشتماله على عدة مصالح ، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة ، فإن أذن ، دخل المستأذن . { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ } أي : فلا تمتنعوا من الرجوع ، ولا تغضبوا منه ، فإن صاحب المنزل ، لم يمنعكم حقاً واجباً لكم ، وإنما هو متبرع ، فإن شاء أذن أو منع ، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال ، { هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ } أي : أشد لتطهيركم من السيئات ، وتنميتكم بالحسنات . { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فيجازي كل عامل بعمله ، من كثرة وقلة ، وحسن وعدمه ، هذا الحكم في البيوت المسكونة ، سواء كان فيها متاع للإنسان أم لا ، وفي البيوت غير المسكونة ، التي لا متاع فيها للإنسان ، وأما البيوت التي ليس فيها أهلها ، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه ، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه ، وذلك كبيوت الكراء وغيرها ، فقد ذكرها بقوله : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي : حرج وإثم ، دلّ على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة ، أنه محرم ، وفيه حرج { أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } وهذا من احترازات القرآن العجيبة ، فإن قوله : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } لفظ عام في كل بيت ليس ملكاً للإنسان ، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه ، وفيها متاعه ، وليس فيها ساكن ، فأسقط الحرج في الدخول إليها ، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } أحوالكم الظاهرة والخفية ، وعلم مصالحكم ، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون ، من الأحكام الشرعية .