Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 62-64)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين ، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع ، أي : من ضرورته أو من مصلحته ، أن يكونوا فيه جميعاً ، كالجهاد ، والمشاورة ، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون ، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم ، فالمؤمن بالله ورسوله حقاً ، لا يذهب لأمر من الأمور ، لا يرجع لأهله ، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم ، إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده ، فجعل موجب الإيمان ، عدم الذهاب إلا بإذن ، ومدحهم على فعلهم هذا وأدبهم مع رسوله وولي الأمر منهم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ولكن هل يأذن لهم أم لا ؟ ذكر لإذنه لهم شرطين : أحدهما : أن يكون لشأن من شؤونهم ، وشغل من أشغالهم ، فأما من يستأذن من غير عذر ، فلا يؤذن له . والثاني : أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة ، من دون مضرة بالآذن ، قال : { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } فإذا كان له عذر واستأذن ، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه ، أو شجاعته ، ونحو ذلك ، لم يأذن له ، ومع هذا إذا استأذن ، وأذن له بشرطيه ، أمر الله رسوله أن يستغفر له ، لما عسى أن يكون مقصراً في الاستئذان ، ولهذا قال : { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر لهم الذنوب ويرحمهم ، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر . { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } أي : لا تجعلوا دعاء الرسول إياكم ودعائكم للرسول كدعاء بعضكم بعضاً ، فإذا دعاكم فأجيبوه وجوباً ، حتى إنه تجب إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة ، وليس أحد إذا قال قولاً يجب على الأمة قبول قوله والعمل به ، إلا الرسول ، لعصمته ، وكوننا مخاطبين باتباعه ، قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [ الأنفال : 24 ] وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضاً ، فلا تقولوا : " يا محمد " عند ندائكم ، أو " يا محمد بن عبد الله " كما يقول ذلك بعضكم لبعض ، بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره ، أن يقال : يا رسول الله ، يا نبي الله . { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } لما مدح المؤمنين بالله ورسوله ، الذين إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، توعد من لم يفعل ذلك وذهب من غير استئذان ، فهو وإن خفي عليكم بذهابه على وجه خفي ، وهو المراد بقوله : { يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } أي : يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم بشيء يحجبهم عن العيون ، فالله يعلمهم ، وسيجازيهم على ذلك أتم الجزاء ، ولهذا توعدهم بقوله : { فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي : يذهبون إلى بعض شؤونهم عن أمر الله ورسوله ، فكيف بمن لم يذهب إلى شأن من شؤونه ؟ ! ! وإنما ترك أمر الله من دون شغل له . { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } أي : شرك وشر { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ملكاً وعبيداً ، يتصرف فيهم بحكمه القدري ، وحكمه الشرعي . { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } أي : قد أحاط علمه بما أنتم عليه ، من خير وشر ، وعلم جميع أعمالكم ، أحصاها علمه ، وجرى بها قلمه ، وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون . { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ } في يوم القيامة { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } يخبرهم بجميع أعمالهم ، دقيقها وجليلها ، إخباراً مطابقاً لما وقع منهم ، ويستشهد عليهم أعضاءهم ، فلا يعدمون منه فضلاً أو عدلاً . ولما قيد علمه بأعمالهم ، ذكر العموم بعد الخصوص ، فقال : { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ } .