Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 41-44)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات [ الله ] ، المستكبرون في الأرض ، استهزؤوا بك واحتقروك ، وقالوا - على وجه الاحتقار والاستصغار - : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } أي : غير مناسب ولا لائق ، أن يبعث الله هذا الرجل ، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم ، وقلبهم الحقائق ، فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول - حاشاه - في غاية الخسة والحقارة ، وأنه لو كانت الرسالة لغيره ، لكان أنسب . { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] فهذا الكلام ، لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم ، أو من أعظمهم عناداً ، وهو متجاهل ، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به ، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وجده رجل العالم وهمامهم ، ومقدمهم في العقل ، والعلم ، واللب ، والرزانة ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الشيم ، والعفة ، والشجاعة ، والكرم ، وكل خُلُقٍ فاضلٍ ، وأن المحتقر له ، والشانئ له ، قد جمع من السفه والجهل ، والضلال ، والتناقض ، والظلم ، والعدوان ، ما لا يجمعه غيره ، وحسبه جهلاً وضلالاً ، أن يقدح بهذا الرسول العظيم ، والهمام الكريم . والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به ، تصلُّبُهم على باطلهم ، وغروراً لضعفاء العقول ، ولهذا قالوا : { إِن كَادَ } هذا الرجل { لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا } بأن يجعل الآلهة إلهاً واحداً { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } لأضلنا ، زعموا - قبحهم الله - أن الضلال هو التوحيد ، وأن الهدى ما هم عليه من الشرك ، فلهذا تواصوا بالصبر عليه . { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } [ ص : 6 ] . وهنا قالوا : { آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } والصبر يحمد في المواضع كلها ، إلا في هذا الموضع ، فإنه صبر على أسباب الغضب ، وعلى الاستكثار من حطب جهنم . وأما المؤمنون ، فهم كما قال الله عنهم : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] ولما كان هذا حكماً منهم ، بأنهم المهتدون والرسول ضال ، وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم ، توعدهم بالعذاب ، وأخبر أنهم في ذلك الوقت { حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } يعلمون علماً حقيقياً { مَنْ } هو { أَضَلُّ سَبِيلاً } { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } الآيات [ الفرقان : 27 ] . وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده [ هواه ] ، فما هويه فعله ، فلهذا قال : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ألا تعجب من حاله ، وتنظر ما هو فيه من الضلال ؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة ؟ { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } أي : لست عليه بمسيطر مسلط ، بل إنما أنت منذر ، وقد قمت بوظيفتك ، وحسابه على الله . ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ ، بأن سلبهم العقول والأسماع ، وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة ، التي لا تسمع إلا دعاء ونداء ، صم بكم عمي فهم لا يعقلون ، بل هم أضل من الأنعام ، لأن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي ، وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه ، وهي أيضاً أسلم عاقبة من هؤلاء ، فتبين بهذا ، أن الرامي للرسول بالضلال أحق بهذا الوصف ، وأن كل حيوان بهيم فهو أهدى منه .