Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 56-60)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى : أنه ما أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، مسيطراً على الخلق ، ولا جعله ملكاً ، ولا عنده خزائن الأشياء ، وإنما أرسله { مُبَشِّراً } يبشر من أطاع الله بالثواب العاجل والآجل { وَنَذِيراً } ينذر من عصى الله بالعقاب العاجل والآجل ، وذلك مستلزم لتبيين ما به البشارة ، وما تحصل به النذارة ، من الأوامر والنواهي ، وإنك - يا محمد - لا تسألهم على إبلاغهم القرآن والهدى أجراً ، حتى يمنعهم ذلك من اتباعك ، ويتكلفون من الغرامة { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } أي : إلا مَن شاء ، أن ينفق نفقة في مرضاة ربه وسبيله ، فهذا وإن رغبتكم فيه ، فلست أجبركم عليه ، وليس أيضاً أجراً لي عليكم ، وإنما هو راجع لمصلحتكم ، وسلوككم للسبيل الموصلة إلى ربكم ، ثم أمره أن يتوكل عليه ويستعين به ، فقال : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ } الذي له الحياة الكاملة المطلقة { ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي : اعبده وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق . { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } يعلمها ، ويجازي عليها ، فأنت ليس عليك من هداهم شيء ، وليس عليك حفظ أعمالهم ، وإنما ذلك كله ، بيد الله { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ } بعد ذلك { عَلَى ٱلْعَرْشِ } الذي هو سقف المخلوقات ، وأعلاها ، وأوسعها ، وأجملها . { ٱلرَّحْمَـٰنُ } استوى على عرشه ، الذي وسع السماوات والأرض باسمه الرحمن ، الذي وسعت رحمته كل شيء ، فاستوى على أوسع المخلوقات ، بأوسع الصفات . فأثبت بهذه الآية ، خلقه للمخلوقات ، واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم ، وعلوه فوق العرش ، ومباينته إياهم . { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } يعني بذلك نفسه الكريمة ، فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله ، وقد أخبركم بذلك ، وأبان لكم من عظمته ، ما تستعدون به من معرفته ، فعرفه العارفون ، وخضعوا لجلاله ، واستكبر عن عبادته الكافرون ، واستنكفوا عن ذلك ، ولهذا قال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ } أي : وحده الذي أنعم عليكم بسائر النعم ، ودفع عنكم جميع النقم . { قَالُواْ } جحداً وكفراً : { وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } بزعمهم الفاسد ، أنهم لا يعرفون الرحمن ، وجعلوا من جملة قوادحهم في الرسول ، أن قالوا : ينهانا عن اتخاذ آلهة مع الله ، وهو يدعو معه إلهاً آخر ، يقول : " يا رحمن " ونحو ذلك ، كما قال تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] فأسماؤه تعالى كثيرة ، لكثرة أوصافه ، وتعدد كماله ، فكل واحد منها ، دلّ على صفة كمال . { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } أي : لمجرد أمرك إيانا . وهذا مبني منهم على التكذيب بالرسول ، واستكبارهم عن طاعته ، { وَزَادَهُمْ } دعوتهم إلى السجود للرحمن { نُفُوراً } هرباً من الحق إلى الباطل ، وزيادة كفر وشقاء .