Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 63-77)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } إلى آخر السورة الكريمة . العبودية لله نوعان : عبودية لربوبيته ، فهذه يشترك فيها سائر الخلق ، مسلمهم وكافرهم ، برهم وفاجرهم ، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 39 ] وعبودية لألوهيته ، وعبادته ، ورحمته ، وهي عبودية أنبيائه ، وأوليائه ، وهي المراد هنا ، ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن " إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته ، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ، ونعوتهم أفضل النعوت ، فوصفهم بأنهم { يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } أي : ساكنين متواضعين لله والخلق ، فهذا وصف لهم بالوقار ، والسكينة ، والتواضع لله ولعباده . { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ } أي : خطاب جهل ، بدليل إضافة الفعل ، وإسناده لهذا الوصف ، { قَالُواْ سَلاَماً } أي : خاطبوهم خطاباً يسلمون فيه من الإثم ، ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله . وهذا مدح لهم ، بالحلم الكثير ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والعفو عن الجاهل ، ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال . { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } أي : يكثرون من صلاة الليل ، مخلصين فيها لربهم ، متذللين له ، كما قال تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 16 - 17 ] . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ } أي : ادفعه عنا ، بالعصمة من أسبابه ، ومغفرة ما وقع منا ، مما هو مقتض للعذاب . { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي : ملازماً لأهلها ، بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه . { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } وهذا منهم ، على وجه التضرع لربهم ، وبيان شدة حاجتهم إليه ، وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب ، وليتذكروا مِنَّة الله عليهم ، فإن صرف الشدة ، بحسب شدتها وفظاعتها ، يعظم وقْعُها ويشتد الفرح بصرفها . { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ } النفقات الواجبة والمستحبة { لَمْ يُسْرِفُواْ } بأن يزيدوا على الحد ، فيدخلوا في قسم التبذير ، وإهمال الحقوق الواجبة ، { وَلَمْ يَقْتُرُواْ } فيدخلوا في باب البخل والشح { وَكَانَ } إنفاقهم { بَيْنَ ذَلِكَ } بين الإسراف والتقتير { قَوَاماً } يبذلون في الواجبات من الزكوات ، والكفارات ، والنفقات الواجبة ، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي ، من غير ضرر ولا ضرار ، وهذا من عدلهم واقتصادهم . { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } بل يعبدونه وحده ، مخلصين له الدين ، حنفاء ، مقبلين عليه ، معرضين عما سواه . { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } وهي نفس المسلم ، والكافر المُعَاهد ، { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } كقتل النفس بالنفس ، وقتل الزاني المحصن ، والكافر الذي يحل قتله . { وَلاَ يَزْنُونَ } بل يحفظون فروجهم { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المؤمنون : 6 ] . { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي : الشرك بالله ، أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق ، أو الزنا ، فسوف { يَلْقَ أَثَاماً } ثم فسره بقوله : { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي : في العذاب { مُهَاناً } فالوعيد بالخلود ، لمن فعلها كلها ، ثابت لا شك فيه ، وكذا لمن أشرك بالله ، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد ، على كل واحد من هذه الثلاثة ، لكونها إما شرك ، وإما من أكبر الكبائر . وأما خلود القاتل والزاني في العذاب ، فإنه لا يتناوله الخلود ، لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية ، أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار ، ولا يخلد فيها مؤمن ، ولو فعل من المعاصي ما فعل ، ونص تعالى على هذه الثلاثة ، لأنها من أكبر الكبائر : فالشرك فيه فساد الأديان ، والقتل فيه فساد الأبدان ، والزنا فيه فساد الأعراض . { إِلاَّ مَن تَابَ } عن هذه المعاصي وغيرها ، بأن أقلع عنها في الحال ، وندم على ما مضى له من فعلها ، وعزم عزماً جازماً أن لا يعود ، { وَآمَنَ } بالله إيماناً صحيحاً ، يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات ، { وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } مما أمر به الشارع ، إذا قصد به وجه الله . { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } أي : تتبدل أفعالهم وأقوالهم ، التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات ، فيتبدل شركهم إيماناً ، ومعصيتهم طاعة ، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ، ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات ، كما هو ظاهر الآية . وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه ، فعددها عليه ، ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال : " يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا " والله أعلم . { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لمن تاب ، يغفر الذنوب العظيمة { رَّحِيماً } بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ، ثم وفقهم لها ، ثم قبلها منهم . { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } أي : فلْيَعْلم أن توبته في غاية الكمال ، لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله ، الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه ، فلْيُخْلِصْ فيها ، ولْيُخَلِّصْها من شوائب الأغراض الفاسدة ، فالمقصود من هذا ، الحث على تكميل التوبة ، وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ، ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره ، بحسب كمالها . { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي : لا يحضرون الزور ، أي : القول والفعل المحرم ، فيجتنبون جميع المجالس ، المشتملة على الأقوال المحرمة ، أو الأفعال المحرمة ، كالخوض في آيات الله ، والجدال الباطل ، والغيبة ، والنميمة ، والسب ، والقذف ، والاستهزاء ، والغناء المحرم ، وشرب الخمر ، وفرش الحرير ، والصور ، ونحو ذلك ، وإذا كانوا لا يشهدون الزور ، فمن باب أولى وأحرى ، أن لا يقولوه ويفعلوه . وشهادة الزور داخلة في قول الزور ، تدخل في هذه الآية بالأولوية ، { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } وهو الكلام الذي لا خير فيه ، ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ، ككلام السفهاء ونحوهم { مَرُّوا كِراماً } أي : نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ، ورأوا الخوض فيها وإن كان لا إثم فيه ، فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة ، فربؤوا بأنفسهم عنه . وفي قوله : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه ، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد ، يكرمون أنفسهم عنه . { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها ، { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } أي : لم يقابلوها بالإعراض عنها ، والصمم عن سماعها ، وصرف النظر والقلوب عنها ، كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق ، وإنما حالهم فيها وعند سماعها ، كما قال تعالى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [ السجدة : 15 ] يقابلونها بالقبول والافتقار إليها ، والانقياد والتسليم لها ، وتجد عندهم آذاناً سامعة ، وقلوباً واعية ، فيزداد بها إيمانهم ، ويتم بها إيقانهم ، وتحدث لهم نشاطاً ، ويفرحون بها سروراً واغتباطاً . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا } أي : قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات ، { وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } أي : تَقرُّ بهم أعيننا . وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم ، عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم ، أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم ، عالمين عاملين ، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم ، فإنه دعاء لأنفسهم ، لأن نفعه يعود عليهم ، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم ، فقالوا : { هَبْ لَنَا } بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين ، لأن بصلاح من ذكر ، يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلق بهم ، وينتفع بهم . { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } أي : أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية ، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين ، وهي درجة الإمامة في الدين ، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم ، يقتدى بأفعالهم ، ويُطمأنْ لأقوالهم ، ويسير أهل الخير خلفهم ، فيهدون ويهتدون . ومن المعلوم ، أن الدعاء ببلوغ شيء ، دعاء بما لا يتم إلا به ، وهذه الدرجة - درجة الإمامة في الدين - لا تتم إلا بالصبر واليقين ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [ السجدة : 24 ] . فهذا الدعاء ، يستلزم من الأعمال ، والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ، ومن العلم التام ، الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين ، خيراً كثيراً ، وعطاءً جزيلاً ، وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل . ولهذا ، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية ، كان الجزاء من جنس العمل ، فجازاهم بالمنازل العاليات فقال : { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ } أي : المنازل الرفيعة ، والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين ، وذلك بسبب صبرهم ، نالوا ما نالوا ، كما قال تعالى : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 23 - 24 ] ولهذا قال هنا : { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } من ربهم ، ومن ملائكته الكرام ، ومن بعض على بعض ، ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات . والحاصل : أن الله وصفهم بالوقار والسكينة ، والتواضع له ولعباده ، وحسن الأدب ، والحلم ، وسعة الخلق ، والعفو عن الجاهلين ، والإعراض عنهم ، ومقابلة إساءتهم بالإحسان ، وقيام الليل ، والإخلاص فيه ، والخوف من النار ، والتضرع لربهم أن ينجيهم منها ، وإخراج الواجب ، والمستحب في النفقات ، والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق ، الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط ، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى - والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته ، والعفة عن الدماء والأعراض ، والتوبة عند صدور شيء من ذلك ، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ، ولا يفعلونها بأنفسهم ، وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها ، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ، ورفعة أنفسهم عن كل خسيس ، قولي وفعلي ، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها ، والتفهم لمعانيها ، والعمل بها ، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها ، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء ، في الدعاء الذي ينتفعون به ، وينتفع به من يتعلق بهم ، وينتفع به المسلمون ، من صلاح أزواجهم وذريتهم ، ومن لوازم ذلك ، سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم ، لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه ، لا بدّ أن يكون متسبباً فيه ، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم ، وهي درجة الإمامة والصديقية . فلله ما أعلى هذه الصفات ، وأرفع هذه الهمم ، وأجلّ هذه المطالب ، وأزكى تلك النفوس ، وأطهر تيك القلوب ، وأصفى هؤلاء الصفوة ، وأتقى هؤلاء السادة ! ! ولله ، فضل الله عليهم ونعمته ، ورحمته التي جللتهم ، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل . ولله ، منة الله على عباده ، أن بين لهم أوصافهم ، ونعت لهم هيئاتهم ، وبيّن لهم هممهم ، وأوضح لهم أجورهم ، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم ، ويبذلوا جهدهم في ذلك ، ويسألوا الذي مَنَّ عليهم وأكرمهم ، الذي فضله في كل زمان ومكان ، وفي كل وقت وأوان ، أن يهديهم كما هداهم ، ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم . فاللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ، ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا ، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه . نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة ، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا ، وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة ، وصرفت عنا من النقم ، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك ، فلا خاب من سألك ورجاك . ولما كان الله تعالى ، قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته ، واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ، ربما توهم متوهم ، أنه وأيضاً غيرهم ، فلم لا يدخل في العبودية ؟ فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء ، وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ، ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } أي : عذاباً يلزمكم ، لزوم الغريم لغريمه ، وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين .